للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[٥ - مدن الحضارات في القديم والحديث]

للأستاذ محمد عبد الغني حسن

يعتبر عصر الأسرة العلوية فاتحة عصر جديد في تاريخ القاهرة التي دارت عليها من الزمان أحوال من النحس والسعد، كما هو الشأن دائماً في كل بلد تنوشه الخطوط وتتقاذفه الأقدار.

ولقد طبعت القاهرة في عهد هذه الأسرة بطابع خاص مع احتفاظها بجلال القدم وروعة الماضي، وأفاضت عليها مآثر هذا البيت حللاً رائعة التقي في أثنائها الماضي بالحاضر والقديم بالحديث والشرق بالغرب، فبدت القاهرة بلداً شرقياً جميلاً يخلب اللب ويلفت النظر. وتهاوي إليها الععلماء وأهل الفنون والرحالون يمتعون النظر بمحاسن جمالها، أو يسرحون الطرف في رباعها المملوءة بروعة التاريخ وقدسية الماضي، ويجدون في آثارها القائمة وأعلامها الباقية ومعابدها وهيا كلها مجالاً للدرس وميداناً للبحث ومراداً للهو. فوصل إليها في شهر أكتوبر سنة ١٨٠٦ - أي في أوائل حكم محمد علي باشا - الأديب الفرنسي المشهور (شاتوبريان) صاحب القصص الرائع والأسلوب المحكم.

قضى هذا الكاتب العظيم أياماً في مدينة رشيد، ثم وفد إلى القاهرة، فاستقبله نجل الوالي الكبير، ولقي في رحاب مصر وظلال الأهرام وعَبْرى النيل، ما جعله يتغنى دائماً بهذه الرحلة السعيدة.

وزار القاهرة في ذلك الحين ايضاً الكونت (دي فوربان) والكونت ماركيلوس؛ وسجل أولهما في كتابه وصفاً ممتعاً لمصر عامة والقاهرة خاصة، وحظي الاثنان بعطف الوالي عليهما وميله إليهما وإهدائهما بالهدايا الثمينة والعطايا الكريمة. وممن زار القاهرة في ذلك الحين الضابط الفرنسي الكبير مارمون وشامبوليون المؤرخ الكبير وصاحب اليد الطولي في حل طلاسم الكتابة الهير غليفية، وجوزيف ميشو المؤرخ، ودوزا الرسام الصناع المصور الحاذق.

وليس عجيباً أن تزخر القاهرة في ذلك الحين بطائفة من أكابر العلماء وأعلامهم، فقد كان الوالي يحسن ضيافتهم ويرحب بهم ويستعين بعلمهم، وبحثهم على فتح آفاق جديدة في النهضة المصرية التي حمل لواءها، ورفع بناءها.

<<  <  ج:
ص:  >  >>