[المجنونة]
بقلم عثمان أبو حلمي
في غابة مجهولَةِ السرِّ ... مملوءة بالشوك والزهْرِ
أبصرتها في ظلمةٍ تجري ... من خلفها ولدانُها تجري
إنسيّةٌ هي أو لسرعتها ... جنيِّةٌ فالعين لا تدري!
تبكي وتضحكُ في تقلبها ... بمدامعٍ تجري على النحر
وبكاؤها سخرٌ فإِنَّ لها ... قلباً يضمُّ صلابَة الصخر
تقسو وتعطف فهي غاضبةٌ ... في حين تُبدي باسمَ الثغر
وتكاد تذهل من تلونها ... فكأنَّها الحرباءُ في قفر!
سحرتْ بنيها فهي ساحرةٌ ... بالطبع لم تعكف على سحر
فتّانةٌ تغري مظاهرها ... أمّا الحقيقة فهي كالقبر!
فتنتْ بنيها فهي غانيةٌ ... في العين منهم بل وفي الفكر
وهي العجوزُ، هي العجوزُ إذا ... ذكرتْ تبوءُ بأشنع الذكر
لكنّها معبودةٌ أبداً ... منهم، لعل لذاك من سرِّ!
كم بُلِّغوا عن غدرها قصصاً ... وأقلها المملوءُ بالغدر!
وهمو سكارى في محبتها ... من غير ما كأس ولا خمر
وهمو حيارى في وجودهمو ... ووجودهم كسحابةٍ تجري
أبصرتها في الغالب جاريةً ... صخاَّبة مسدولة الشعر
وتكادُ تغضبُ حيث لا تدري ... وتكادُ تبسم حيث لا تدري
تغذو بنيها حين تفجعهم ... في أنفسٍ صيغت من الشرِِّ
ورأيتها في الغاب تأكلهم ... أكلاً ولكن أكل مضطر
ولقد أراها جدّ ساكنة ... من بعد طول الضحك والبِشْرِ
ظلَّتْ طويل الدهر عابثةً ... بهمو وهم في غمرة الدهرِ
حتى توارى الكلُّ عن نظري ... بين النجود وشامخ الصخرِ
مجنونة دنياكمو، وكفى ... بيَ ما أبنتُ لها من السِّرِ!