للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[عبرة وفاء]

الرافعي

للأستاذ كامل محمود حبيب

أليس الحق أن العيش فان ... وأن الحي غايته الممات

(شوقي)

فقدتك - يا رافعي - ففقدت صديقاً، والأصدقاء قليل؛ وأخاً كبيراً طيب القلب، والقلوب هواء؛ وأباً شفيقاً فيه الرحمة والحنان؛ وأستاذاً غمرني نور علمه ونور أدبه

كنت وكنا. . . ففتحت على عينيك مغاليق نفسي، فأحسست كأني ألمس روحك تتدفق في روحي، فهفوت نحوك أجد في حديثك اللذة والمتعة. وأجد في نصيحتك الهداية والنور. . . فلما فقدتك فقدت قلبي، وأذهلتني الصدمة فخرجت عن صبري إلى حزني؛ وكدت أشق عليك الجيب، وألطم الخد. ولكن الإيمان يا رافعي. . . ولكن الإيمان. . .

وانطويت على نفسي ألتمس في عبرات حرى أسكبها، أشيعك بها إلى الدار الأخرى. . . ألتمس فيها بعض ما يخفف عني برح الشوق، وألم الفجيعة؛ فما وجدت فيها سلوة ولا وجدت عزاءً، فاستحوز علي الأسى والشجن، ونسيت ما كنت تقوله حين تزعزعني الأيام: (الإيمان، يا بني، الإيمان. . .)

وخرجت إلى الناس فرأوا في أثر الحزن والضنى في سواد لبسته، وفي تجهم وعبوس اكتسى بهما وجهي، وفي عبرة تترقرق في محجري أجهد أن أكفكفها لأخفى ضعفي، وفي جفوني قرح من أثر البكاء والسهر؛ فما استطاع واحد أن يقول شيئاً، غير أن نظراتهم كان فيها الرثاء والشفقة. . . ثم انطووا عني جميعاً، وخلفوني وحيداً، أحس ألم الوخزة في قلبي. . . قلبي وحده.

ومر رجل يبسم وعلى وجهه سمات الفرح فهاجت في نفسي الذكرى فبكيت ونظر هو إلى حزني ثم استغرق في الضحك، لا يرعوي ولا يرحم؛ فقلت لنفسي (ويل للشجي من الخلي!)

وجاء صديق يريد أن يرفه عني، ويطمع في أن ينزعني من آلامي، بعبارات فاترة ثقيلة لا

<<  <  ج:
ص:  >  >>