معنى فيها ولا روح؛ ولكنها أثارت شجوني، فانتفض قلبي، وارفض جبيني عرقاً، وانهمرت عبراتي؛ فانطلق وهو يرثى لحال صاحبه. . . صاحبه المسكين الذي لا يسمع ولا يعي. . . وماذا يعزيني عنك يا رافعي وأنت. . . في دمي وفي روحي؟
وجلست إلى كتاب من كتبك أنشق عبير روحك الطاهرة، وأتنسم من ألفاظك روح قلبك الخالص؛ فارتدت الذكرى تبعثك في خيالي، فتوقظ في نفسي الألم والحسرة لأنني استشعرت فقدك في قلبي.
إن في النفس عواطف لا يرقى إليها القول، وفي الفؤاد نوازع لا يستطيع أن يكشف عنها المنطق، أحس بها جياشة ثائرة فأنطوي على أحزان تأكل قلبي وتضطرم في جوانحي. . . ثم لا أجد عاصماً سوى الدمع. . .
وجاء النعي يقول: إنك بت تحت الثرى، وإن تاريخك على الأرض قد تم، فوجمت، وجاء الظلام يترع أيامي في وقت رف علي فيه الأمل الحلو حين خيل إلي أني أنتظر لقياك، ولكن. . . فجعت مرتين: فيك وفي أملي. . .
وطال بعدك ليلي حين لج بي الأسى، ونأت عني مسراتي حين لازمتني أشجاني، وغدوت إنساناً غيري فيه اللوعة والأسف.
لقد عرفتك فبعثت في روحي الحياة والنور، ونفثت في قلبي الإيمان والسمو؛ والآن. . . الآن رانت على حياتي ظلمات وظلمات فما أستطيع أن أهتدي، والبحر يزخر حوالي فلا أرى الشاطئ الأمين، فأين يدك تجذبني إليه، وأين قلبك ينير لي الطريق. . .؟
تركتني وأتراحى، وفي القلب شوق، وفيه شكاية، فمتى تغسل دموعي هذه الأشجان لأبدو للناس رجلاً فيه الصبر والسلوان.
لفتك يد المنون في كفن لتنشر في الأفئدة اللوعة والأسى وأودعتك رمساً لتوقظ في النفوس الهموم والشجن.
وأطفأت السراج المنير لينقلب ناراً تتسعر بين الضلوع.