[الوداع]
للأستاذ أمجد الطرابلسي
إلى دمشق وأحبابي فيها أهدي آخر ما نظمته تحت سمائها. ..
ماذا أقول لإخواني وأصحاب؟ ... لعلَّ صمتي قبلَ البَيْنِ أحرى بي!
يا لوعةَ الوجد في داري ومرتبعي! ... ماذا. . . إذا احتجبتْ داري وأحبابي؟
يا قلبُ ويحك! هذا البين قد تعبت ... غربانُه. . . قُتلت من شرِّ نَعّاب!
ألم يكن عهدُنا - والدهر ذو ترةٍ - ... هزءاً بهزءٍ، وألعاباً بألعاب؟
أيْامَ دأبُ الزمانِ الغرّ مظلمتي ... لهواً، وسُخريتي من ظلمه دابي!
أيّامَ يُدْهق لي الأكوابَ مترعة ... سُمَّا، فأّجرع كالصّهباء أكوابي
فما لحصنك قد خارتْ جوانِبُهُ؟ ... كالبيت في القفر لم يُشْدَدْ بأطناب
يَظَلُّ في عَصَفَات الرَيح مُصطفقاً ... يئن أَنَّ الثكالى إثرَ تنحاب
بميل والعاصفَ المجنونَ مُرتنحاً ... كالراقصات تِهادى بينَ شُرّابِ!
قلبي، رشادَكَ! لا يفزعْكَ أن صهلت ... خيلُ النّوى تستحثُّ الركبَ في بابي
أَهلي حَوالَيَّ. . . . ماذا أنت قائله ... لهمْ قبَيلَ نوىً كالليل في الغاب؟
قلبي! أعِندكَ أن تشكو لهم حُرقاً ... تشويك من لاعج في الصدر مِلهابِ
فما فغرت - على ما طال من وجعي - ... فماَ بشكوى لصحب أو لأغرابِ!
ولا سجدتُ لغيرِ الله في زَمَنِي ... ولا وَقَعتُ على أيدٍ وأعتابِ
ولا بسطت يدي للذلّ أقبله ... ولو علمت لديه كل آرابي
هُوَ الشَباب! فلا كان الشبابُ إذا ... لم يستسغ رشفاتِ العزّ في الصَاب!
لا عاشَ إمَّا حنا للبغي هامَتَهُ ... أو ضمَّ برديهِ في الدنيا على عاب!
دمشقُ يا فرحة الدنيا وبسمتها ... ويا مراتعَ تهيامي وتلعابي!
يا ممرح الغيدِ كالأحلامِ حائمة ... ومسرحَ الصيد من صحبي وأترابي
ما لي عدوتُ إذا ما سرت منفرداً ... لم ألقَ غيرَ جميل فيكِ جذاب؟