مهداة إلى سعادة الأستاذ محمد كامل البهنساوي بك صاحب
الأقاصيص المأثورة
. . رقى إبراهيم إلى العربة وقال مخاطباً الحوذي
- عيادة الدكتور رأفت
وساط الحوذي جواده فتحامل الحيوان الجاهد على نفسه وجرر أقدامه في تثاقل وبطئ وهو يكاد أن يتكفأ من التعب والأنين. . .
وتنهد إبراهيم تنهدة عميقة وهو يرقب العربة تتحرك في هينة ورفق كأنما قد خرج بها إلى نزهة وليس إلى أمر ذي بال. . وهمه أن رأى العربات تمضي بعربته سريعاً كأنما جيادها شياطين جن وأزمع أن يصرخ في الحوذي ليحدث جواده المتهالك على السير. ولكن الرجل كان قد برق في ذهنه نفس الخاطر وأهوى سوطه على ظهر الحيوان في قسوة وعنف فحث خطاه وأنفاسه حشرجة محتضر. . .
ولكن الجواد وقد حسره السير تباطأت خطاه مرة أخرى وتقاربت فعاد الحواذي يلهب بالسوط ظهره والسباب يطفح من فمه وانصرف إبراهيم بذهنه عن الرجل وجوده وأوى إلى أفكاره يعايشها. . أنه ترك أمه في البيت طريحة الفراش. . وقد تعناها المرض وتحلل بها حتى ليوشك أن يوردها موارد الموت. . .
وبدا له غريباً أن يحدث هذه لأمه. . وأن تفارق روحها بدنها الناحل وهي مسمرة به. . وومضت صورتها لحظة في ذهنه. . هذه الأم التي علت بها السن وهي بعد موثقة الخلق شديدة الأسر كفتاة في العشرين، فاستكثر أن تعنو هذه الحياة الكبيرة لمرض فموت. ولكن الحقيقة أن أمه كانت تعاني المرض. . وأنه أقعدها لأول مرة في حياتها عن أداء وأجبها. . وذكر أنها كانت وهي مدنفة تشرف على البيت مملكنها الصغيرة تناقش الزوجة وتراجع الخادم كما تفعل كل يوم. . دون أن تترك للمرض الوافد فرصة للتغلب عليها. . .