للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كان البيت بيتها، هي ربته تدبر حركته وتصرف أموره على النحو الذي ترضاه، وتأبى على الزوجة أن تطلق يدها في شأن من شؤونه. . كانت تنهض من فراشها في الصباح الواعد فتبعث بالخادم إلى السوق لشراء حاجات الطعام، فإذا عادت من السوق وقد امتلأت سلتها بالخضر والطماطم واللحم دار بينها بادئ الأمر حديث هادئ كان لا يلبث صوت أمه بعده أن يرتفع في ثورة وغضب، لأن الخادم - في وهمها - سرقت نصف قريش. . .

وحينما تتهيأ لطهو الطعام ويعلو صوت (وايور الغاز)

كانت تتمشى على شفتها الرضا والسعادة، فصوت الوابور يحكى عندما صوت الموسيقى تنتشي له وتطرب. . وعندما كان ابنها يعود من عمله مجهداً مكدوداً كانت تستقبله بابتسامة حلوة وتقول له.

- أعددت لك اليوم فاصوليا تأكل معها أصابعك. . .

وكان يجيبها وهو يربت على كتفها قائلا:

- نعم الطعام طعامك يا أمي! لا عندما يديك. . .

وتنثني راجعة إلى المطبخ وقد استغرقتها السعادة لمديحه وإطرائه. . بينما يدلف هو إلى غرفته ينضو عنه ثيابه. وكانوا يجلسون ثلاثتهم إلى المائدة يتنازلون الطعام ويشققون الأحاديث. . .

وعندما كانوا يفرغون من تنازل طعامهم كانوا يأوون إلى أسرتهم يغفون القيلولة ولا يبارحون إلا على أذان العصر فتجهز له أمه القهوة، وبعد أن يتنازلون لها كما يرتدي ملابسه وينطلق إلى الطريق. . .

ولكن هذا لم يكن يحدث في كل وقت. . . فالغالب ألا يمضي اليوم هكذا هادئاً دون أن يفكر صفوة نزاع أو شجار يقوم بين زوجه وبين أمه. . . ولقد اعتاد أن ينصت إلى شكايتهما. . ويحاول جهده أن يصلح بينهما دون أن يتحيز إلى أحدهما. . ولكن موقفه هذا كان لا ينجيه من غضب الاثنتين جميعاً. . فأمه ترميه بمحاباة الزوجة. . والزوجة تتهمه بمظاهرة الأم. . ويمضي به اليوم أبأس ما يكون اليوم. . . ولم يكن هذا النزاع بين زوجه وأمه لينتهي أبداً. . وأبهظت هذا الحال أعصابه. . وأمضته فكان ينفر من البيت وينطلق إلى الطريق يقتل وقته في المقاهي والمشارب يسلو ويتعزى. . وكان يعود متأخراً إلى

<<  <  ج:
ص:  >  >>