كانت حواء تعبت من عقل آدم، وكان آدم تعب من جهل حواء، وكان جو الخلاف ينذر بأن صاعقة ستنقض على رأسيهما بعد حين. . . ولذلك الخلاف المزعج تفاصيل في كلام شيث بن عربانوس، فما تلك التفاصيل؟
كانت الأوامر والنواهي ثقلت على آدم وحواء (لحكمة يعلمها الله) وكان آدم مع ذلك يدرع بالصبر الجميل، فيراعي الحدود بقدر ما يستطيع. أما حواء فكانت تتمرد من حين إلى حين، وان كان شيث يؤكد أن تمردها لم يكن في جوهره إلا فنا من فنون الدلال.
ويظهر من كلام شيث أن حواء لم تكن تدرك أن النعيم قد يزول بالعصيان، فما دار في خلدها أن في الوجود مكانا غير الفردوس ينفى إليه العصاة والمتمردون، ولا جاز في وهمها أن ينقل الإنسان من دار إلى دار بسبب الثورة على الأدب والذوق. وكيف تدرك حواء هذا المعنى وقد ولدت في جنة دانية القطوف، ولم تسمع بأخبار الأرض إلا بعد أن قضى الله في أمرها بما أراد؟
ويظهر أيضاً من كلام شيث أن آدم كان يخاف الله أشد الخوف، وكان يدرك بفطرته أن النعيم قد يزول بالعصيان، وأن لابد من تأديب حواء إن تمادت في الضلال.
كان آدم يفهم جيدا أن الله لا يتأذى بجهل الناس، وإنما يوقع العقاب بالجاهلين لخروجهم على نظام الوجود، وهو نظام يتأثر باليسير التافه من الانحراف، لأنه غاية في الدقة والترتيب، ولا يحتمل الثبات على الاعوجاج.
وكان آدم يقسم لئن رأى حواء ليذيقنها العذاب على ما اعتزمت من قرب شجرة التين؛ ولكنه كان يتخاذل حين تقبل عليه بجسمها الفينان، وثغرها الرشوف، فقد كانت ثناياها أحب إليه من حب الزمان، وكان قدها الرشيق نهاية ما يتصور من روعة الخطرات.
كان آدم يشعر بأن عزيمته تتحلل إلى أوهام حين يرى جسم حواء، وكان يعجب من أن يكون في الأوامر والنواهي ما يضع حدوداً لسيطرة تلك الضبية العصماء.
والظاهر أن الجسد الجميل يزيغ البصائر والعقول، وينقل الرجل من حال إلى أحوال،