للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويضيف الحليم إلى طوائف السفهاء، ولا عاصم للرجل من فتنة الجمال إلا إن حمته وقاية الله.

وكان قدّ حواء من القدود السمهرية، وكانت لها مشية تزلزل القلب والوجدان، وكان لها في الضوء لون وفي الظل لون، وكانت ظلال الأهداب توهم أن على خديها زغبا يشبه زغب الخوخ، وكان غضبها أحلى من الرضا وقطيعتها أطيب من الوصال، وكان تثنيها وهي تتخطر فوق شط الكوثر غريبة الغرائب في السحر والفتون.

وكان آدم أضعف من أن يقاوم حواء، فقد كان في فورة الشباب، والشباب جهل، وكان أعجز من أن يرجع على نفسه بالتأديب والتهذيب وهو يعاقر الجمال لأول عهده بالوجود، وأخطر الحب هو الحب الأول، ولكل آدم في الدنيا حواء

كان آدم يقسم ويقسم ثم يقسم لئن رأى حواء ليقطعنها إلى قطع صغيرة حقيرة ثم يقدمها إلى ما في أرباض الجنة من ثعالب وذئاب، جزاء بما تقترف من التفكير في قرب شجرة التين، ولكنه كان يصعق حين تشرف عليه بقدها المرهف وطرفها النشوان.

كان يبدأ بالزجر، ثم ينتقل إلى العتاب، ثم ينتهي بالاستسلام، وذلك مصير الغرماء لأمثال حواء

دعاها مرة إلى أحد الأدغال ليقتلها في خفية ويستريح، فحماها منه جسمها المجدول بأسلاك الكهرباء، فارتد وهو هائم حيران، وعرف أن الهوى فرض على من وهبه الله نعمة الشعور بعبقرية الجمال.

كان آدم رجلا وكانت حواء امرأة، وإذا تلاقى الرجل والمرأة فلا مجال لغير الغي والضلال، وقد غوى آدم بطاعة حواء فقضى الله في أمره بما سجل التاريخ.

جسد حواء صنع ما صنع. جسد حواء غفر جهل حواء جسد حواء فعل بآدم الأفاعيل، فزين له الخضوع لهواها الأثيم

كان آدم يضطرب ويرتعد، حين تختال أمامه حواء بقدها المؤلف من الأحلام والأهواء، وكان لا يعرف أين يضع قدميه وهي تساوره بعينين غافلتين عما تصنعان بقلبه المأخوذ، وعقله الموقوذ، وهل يبقى لمن يصارع الجمال قلب أو عقل؟

جسد حواء صنع بآدم ما صنع، ولكنه تماسك في إحدى اللحظات وقد جالسها تحت السدرة

<<  <  ج:
ص:  >  >>