القوة مصدر من مصادر سعادة الإنسان، ومظهر من مظاهر العز والحياة، إن اكتسبها شخص زاد نشاطه وكثر إنتاجه، وصارت في يده سلاحا يشق به لنفسه سبل النجاح، وهو سبيل وايم الحق صعبة التمهيد، بعيدة المدى، يحتاج تمهيدها إلى جهد شاق متواصل، يعجز عن الاستمرار فيه الضعفاء، ويصل إلى نهايته الأقوياء. والشخص القوي تجده عريض المنكبين، بارز الصدر مفتول الذراعين، يترقرق في وجهه دم الصحة والفتوة، أقدر من غيره على تحمل المشاق، وأقوى من سواه في التغلب على الصعاب. وقد قيل بحق (الحياة جهاد، والبقاء فيها للأصلح)
فلا غرو إذا كانت القوة موضع التبجيل منذ أقدم العصور، وحديثا ينظم المباريات لنيل بطولة القوة، فهذا بطل في رفع الأثقال، وذاك بطل في العدو. ويكرم البطل لأنه عنوان الفخر لامته، ولا غرو فأن الأمة هي مجموعة أفرادها، فأن كان أفراد الأمة أقوياء بلغت الأمة ذروة المجد والفخار.
قوة الأمة:
والقوة أن اكتسبتها أمة أصبحت مهيبة الجانب، آمنة العواقب، لا يقدم على الاعتداء عليها معتد، ولا يغير عليها مغير، وقد قيل (الحق مع القوة) وهو المبدأ الذي يتسلط على عقلية الدول في الحروب، ويدفعها إلى الحركة والعدوان، ويحفزها للكر والفر والطيران، ويمنعها من الإحجام ويحرضها على الاقدام، فتنتظم الجيوش البرية، تقطع الفيافي والقفاز، وتتحرك الأساطيل البحرية، تطهر البحار والأنهار، وتطير الطائرات الجوية، تغير على المدن والأمصار، فتستعر الحرب ويشب ضرامها، ويشتد القتال وتندلع النيران ويمتد لهيبها، والغلبة عندئذ للأقوى، والنصر في النهاية لمن فاقت قوته، والهزيمة لمن انكسرت شوكته، وحتى في وقت السلم تنادي بعض الدول بنزع السلاح وتطالب بالعدالة والإنسانية والمساواة، وهي مبادئ إن عمل بها انتفت الشكايات وبطلت الحرب، ولكنها غرائز الإنسان