فلما جاء القرن الثامن الهجري حمل معه - فيمن حمل - علما أخر من أعلام الفكاهة الشرقية وإماما من أئمة الدعابة التركية هو (الأستاذ نصر الدين)
ولد في إحدى بلاد الأناضول، وكانت (سيورى حيصار) مسقط رأسه. ومات في (آق شهر) ومعناها: البلد الأبيض.
وقد عاش في عهد السلطان (أورخان) وعمر - فيما يقولون - ستين عاما أو قريبا.
٧ - الباطشان:
ولقي (نصر الدين) - فيمن لقي - الباطش السفاح (تيمورلنك) كما لقي (أبو الغصن جحا) - في عصره - الباطش السفاح:(أبا مسلم الخرساني)
(وهكذا عاش كلاهما في عصر مضطرب، وعاصر كلاهما - فيمن عاصر - قائدا سفاكا، متعطشا للدماء، باطشا بالأقوياء والضعفاء.
٨ - الجحوان:
وذاع أمر الأستاذ (نصر الدين)، وراحت دعاباته، ولقي من الحظ مثلما لقي صاحباه:(خرافة) و (جحا) من قبل.
ولما كان لقب أستاذ بالتركية هو لفظ (خوجة) حوله النقلة إلى جحا لتقارب اللفظين وتشابه الرجلين، وقد كدنا نقول: تطابق الشخصيتين.
وما لبث الأستاذ (نصر الدين) أن استأثر - بعد موته - بلقب جحا وكاد يستأثر بكل طرائفه وملحه فلا يبقى له منها شيئا جل أو حقر.
وأعلنت بعض المجلات مكافأة لمن يبعث إليها بطريفة مروية عن الأستاذ (نصر الدين) أو (نصر الدين خوجة) أو جحا التركي. فراح الناس ينقبون ويغيرون على نفائس الملح حتى نسبوا إليه جمهرة من الطرائف العربية وغيرها، فلم ينج من غاراتهم: كتاب كليلة ودمنة في الشرق، ولا قصص (يوكاتشو) في الغرب.
ثم ما لبثت الأمم أن تنازعت كثيرا من القصص الجحوي نصا ومزيدا وناقصا ووافيا، وأمينا ومحرفا، ومبتدعا ومشوها، وأسندته كل أمة إلى جحاها.