وقعت أخيراً عدة حوادث ومصادمات خطيرة على حدود الحبشة بين الإيطاليين والأحباش؛ وكان المظنون أن الكدر الذي أصاب العلائق الحبشة الإيطالية من جراء حادث الإعتداء على القنصلية الإيطالية في جوندار قد زال بعد إعذار الحكومة الحبشية وقيامها بالترضية المطلوبة. ولكن حادثاً أشد خطورة وقع منذ أيام قلائل على الحدود الحبشية مما يلي السومال الإيطالي؛ فقد نشبت معركة دموية شديدة بين قوة من الأحباش وقوة من الإيطاليين عند مركز اولوال الذي يدعيه كل منهما، قتل وجرح فيها من الفريقين عدد كبير يقدر بالمئات؛ وقد وقف القتال على أثر ذلك، وانسحب الأحباش إلى داخل الحدود، ورفعت الحكومة الحبشية الأمر إلى عصبة الأمم؛ ولكن الجو مازال كدراً مثقلاً بمختلف الاحتمالات
ومما يلفت النظر بنوع خاص أن يقع هذا التوتر وهذه الحوادث الخطيرة بين الدولتين عقب الزيارة الملكية التي قام بها ملك إيطاليا في الارتيريا والسومال، والمظاهرات العسكرية التي نظمتها السلطات الإيطالية بهذه المناسبة. ولا ريب أن طواف ملك إيطاليا بالأملاك الإيطالية في أفريقيا الشرقية لم يكن بقصد النزهة والتريض، ولكنها زيارة سياسية ظاهرة المغزى، وطليعة خطة جديدة تزمع إيطاليا الفاشستية انتهاجها في سياستها الاستعمارية. ومن المعروف أن إيطاليا الفاشستية تعني عناية شديدة بالتوسع الاستعماري، وأنها خطت في ذلك السبيل خطوات واسعة في طرابلس، حيث استطاعت أن توغل في داخلها بعد أن لبثت منذ غزوها تقتصر على احتلال البلاد الساحلية إلى مسافة قصيرة، واستطاعت بواسطة إنكلترا أن تنتزع واحة جغبوب المصرية وما يليها بمقتضى المعاهدة المعروفة، وأن تصحح بذلك حدودها على حساب الأراضي المصرية؛ بل لقد استطاعت أخيراً أن تنتزع بواسطة إنكلترا أيضاً جزءاً من واحة العوينات السودانية وأن تضمها إلى برقة الجنوبية، ونزلت لها إنكلترا عن تلك المنطقة بإسمها وبإسم مصر، ومصر لا تعلم بشيء من ذلك ولم يطلب رأيها فيه. وتبدي إيطاليا الفاشستية نشاطاً واضحاً في تنظيم مستعمراتها الأفريقية وتقوية نفوذها الإستعماري، وتجعل التوسع الاستعماري أساساً