أذكر أني قرأت منذ شهور بعاد مقالاً ذكر فيه صاحبه أن الشاعر الفرنسي (موسّيه) كان يُشابه خالداً الكاتب في بكائه وألمه وهواه، وأن من الحق أن يسّمى خالد (موسّية الشرق)!
وقول كهذا القول يطوي في ثناياه من التسرَّع في الحكم والجهل في المقايسة النصيب الكبير؛ فليس من الصحيح إقامة الموازنات بصلة هزيلة أو نسبة ضعيفة، وليس من العلم إطلاق الألقاب بدون حذر أو أناة
لقد أحبَّ (موسَّيه) وأحبَّ (خالد) وبكى موسًّيه وبكى خالد؛ فكانا في الحب مختلفْين وفي البكاء متباينيْن. أما الأول فقد بكى وتألم حتى سمى الشاعر الألم. وكان الدافعَ إلى ذلك حبَّ مفجع وقلب محطم وكان شاباً ناعماً يفوق لداته بالرشاقة والأناقة والنبوغ. فلما أحب (جورج صاند) غرَّد بحبها في أشعاره وملأ به أناشيده وأغانيه. ثم حملها إلى إيطاليا بلد الجمال والفن ليقضيا حياة حلوة كالعسل، رفافة كالنعيم، ويتمتعا بالجمال البارع والحب الوليد على أنها تركته بعد قليل وتبعت (باجيلو) الطبيب الإيطالي. وكأنها كانت كالفراشة النشوى يروقها رشف الرحيق من كل زهرة! فثار موسَّيه لما رأى إعراضها وهم أن يقتل الحبيبة والطبيب معاً، ولكنه فضل البكاء على الجريمة، ورحل عن (فينسيا) باليأس والخيبة؛ فهام في رباع أوربة ثم عاد إلى فرانسة وأخرج للناس آيات رائعات، غنى فيها بأشعار رقاق من السهل الممتنع، آلامه المبرحات وحبه الجريح، ويأسه الداجي، وإخفاقه المر. والحق أن موسَّيه كان بارعاً في تصوير ذلك، لأنه كان صادقاً، والصدق يؤثر في القلب الشاعر ويطربه؛ ولأنه آلامه ويأسه وإخفاقه عواطف، تجدها قد لامست كل قلب وأقرحت كل كبد، ولذلك يشعر المرء أن في أشعار موسَّيه ترجماناً مما يعتلج في حنايا ضلوعه. ولقد كان شاعرنا إذا وصف ألمه وذكر المرابع التي رآها والأحوال التي صادفها واليأس الذي لقيه برع وأجاد. ولقد سما في وصفه لحبيبته (في ليلة تشرين) ففي هذه القصيدة تجد صورة أخاذة للحبيبة الشهوانة ذات العينين السوداوين. العطشى للحب، الظمأى للقبل، التي لا تفي لحبيب، ولا تقنع بحبيب. ولعل هذا آت عن فرة حسها وفرط شاعريتها وسعيها وراء لذتها التي خلفت لها وأغوت الناس بها