كتبت إلي تسألني أن أجلو لك حقيقة هذا النابغة، الذي على سعة شهرته وذيوع اسمه في مختلف الأزمان والبلدان، مازال مبهم الشخصية، مجهول الهوية؛ وما فتئ الكثيرون من الأدباء في إنكلترا وفي أمريكا يرتابون في أمر تأليفه الروايات المنسوبة إليه؛ فتراهم في كل حين يكتشفون لهم مؤلفاً جديداً غير شكسبير، مؤيدين آراءهم باقطع البراهين وأقواها
ولقد بلغت هذه المسألة من الأهمية وخطورة الشأن ما جعل الأدباء ينقسمون إلى مدرستين، الأولى تنتصر لشكسبير وتعضده وتعرف هذه بمدرسة مستقيمي الرأي (أورثوذكس) بينما الثانية وهي - نسبة إلى ستراتفورد قرية شكسبير ومسقط رأسه - تجرده من كل صبغة أدبية، وتتهمه بضعف الإرادة والجهل، فهي لا تود أن تنسب هذه المؤلفات الرائعة إلى امرئ كشكسبير وضيع النسب، نشأ نشأة الوضعاء من عامة البشر، فلم يلتحق بمعهد عال أو يتفقه على مدرب كبير
أنه لمن العار بل من الحرام - على رأيهم - أن تنشأ العبقرية في الأكواخ؛ وإنه لمن الشائن المزري إذن أن تعزى هذه الروايات على فيها من روعة وجلال إلى شكسبير العامي القروي. في ذلك يتفق أصحاب هذه المدرسة، غير أنهم يختلفون في أمر مؤلفها
أما أول الأدباء الذي نسب إليهم تأليف روايات شكسبير ففرنسيس (١٥٦١ - ١٦٢٦) الفيلسوف الإنكليزي الشهير، وأول واضع أسس النظرية فهربرت إذ ألف سنة ١٧٦٩ كتاباً سماه (مجازفات في الذوق السليم) بيد أن هذه الآراء لم تثر اهتمام الأدباء ولم تحرك لهم ساكناً مدة نصف قرن أو أكثر. بعد ذلك لقيت لها أنصاراً عضدوها بالمؤلفات العديدة، منهم ج. س. في كتاب ألفه سنة ١٨٤٨، وفي مقالة موضوعها (من ألف روايات شكسبير؟) نشرت في التشمبرز ' ومنهم و. هـ. سمث في رسالة بعث بها إلى لورد اليسمير موضوعها (هل ألف بيكون روايات شكسبير؟) ومنهم أيضاً الكاتبة ديليا في كتاب اسمه (كشف القناع عن فلسفة روايات شكسبير)