للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الحمّادون الثلاثة

للدكتور جواد علي

هم حمّاد الراوية، وحماد عجرد، وحماد الزبرقان. هم ثلاثة كانت أسماؤهم واحدة، وعاشوا في عصر واحد، وكانوا من أصل واحد، وعلى رأي واحد، ووجهة نظر واحدة، بالنسبة إلى العالم والحياة.

وكانوا من الموالي، وكانوا متهمين في دينهم وفي أخلاقهم، وكانوا يروون الشعر ويتعاطونه، وكانوا جميعاً أصحاب عبث ودعابة ومجانة، وكانوا على رأس طبقة (الزنادقة) التي ظهرت في العصر الأموي وصدر الدولة العباسية، والتي ضمت عدداً من الأعاجم كانوا في الأصل من عبدة النار ومن الثنوية القائلين بعنصرين: عنصر النور والظلام، وعنصر النار والتراب، وبتفوق النار على الطين، أمثال عبد الله بن المقفع، وعبد الكريم بن أبي العوجاء، وبشار بن برد، ومطيع بن إياس، ويحيى بن زياد الحارثي، وصالح بن عبد القدوس الأردي، وعلي بن خليل الشيباني وغير هؤلاء ممن أسلمت ألسنتهم وكفرت قلوبهم.

ظهرت هذه الطبقة في مدن العراق الرئيسية خاصة، حيث كان الاختلاط فيها بين العرب والعجم على أشد ما يكون، وحيث كانت حرية القول على أوسع ما يتصوره إنسان، وكان معظم رجالها من الأدباء الموالي المتعصبين لقوميتهم، ولذلك اقترنت هذه الحركة حركة الزندقة بالنزعة الشعوبية المعروفة التي تتحامل على العرب وعلى كل ما هو عربي وإسلامي بنفس الوقت.

وكان كل من ذكرنا من طبقة الأدباء الظرفاء، المتمكنين من ناصية اللغة والأدب، ومن المتساهلين في الآداب العامة والتقاليد، وكانوا كما وصفهم الجاحظ (يجتمعون على الشرب وقول الشعر وهجاء بعضهم بعضاً وكل منهم متهم في دينه) وكانوا يقضون أكثر لياليهم في سمر صاخب في بيوت المجّان ومحيي العبث، ينفقون ما حصلوا عليه من أثمان المديح أو رشوة (بخلاء) الأغنياء استرضاء لهؤلاء السفهاء الذين قد يتجاسرون عليهم فيهجونهم بآخر ما عرفه فن الهجاء وآخر ما وصل إليه قانون الشتائم عند هؤلاء الشطار من سباب.

وطبيعي أن تكون مجالس هؤلاء متحررة من كل قيود، بعيدة عن كل مظهر من مظاهر

<<  <  ج:
ص:  >  >>