كانت بلاد اليونان في أوائل القرن الخامس قبل الميلاد، محاطة بدول فتية ناهضة كدولة الفرس في الشرق التي قضت على الإمبراطوريات الكبرى القديمة في مصر وكلدونيا وسوريا وليديا، وكدولة القرطاجنيين التي نهضت في شمال أفريقيا، وأخذت تبسط سلطانها على البلاد المجاورة لها في الجزء الغربي من البحر الأبيض المتوسط، وكدولة روما الناشئة التي ثارت في وجه الأثرسكيين، وأخذت تكون لنفسها سلطاناً واسعاً في شبه جزيرة إيطاليا. وقد اتفق الفرس والقرطاجنيون، واتفق القرطاجنيون والأثرسكيون، على وضع حد لاستعمار اليونان بعد هذه الحركة التي كان من نتائجها انتشارهم في معظم أجزاء البحر الأبيض المتوسط.
لذلك كان لا بد من أن ترتطم قوة الفرس بقوة اليونان في الشرق، وقوة القرطاجنيين والأثرسكيين مع اليونان في الغرب. وقد أراد الفرس الانتشار غرباً، فوجدوا أمامهم اليونان ستتبين في غرب آسيا الصغرى، فأخضعوهم لسلطانهم، ولكن هؤلاء اليونان ثاروا على أسيادهم الفرس، وطلبوا المعونة والمساعدة من إخوانهم يونان القارة الأوربية، فلم يلب نداءهم إلا دولتان هما: أثينا وإرسيزى اللتان وجهتا حملة لتخليص إخوانهم من نير الفرس. من اجل هذا حقد الفرس على هاتين الدولتين، وصمموا على معاقبتهما والانتقام منهما؛ فكانت ثورة اليونان في غرب آسيا الصغرى بدء عهد نزاع خطير، يعرف باسم الحروب الميدية بين قوتين لا يستهان بهما وهما: قوة الفرس وقوة اليونان.
وقد استمر النزاع مدة طويلة بين هاتين القوتين. ونحن لا يعنينا اليوم من هذا النزاع إلا تلك الحروب التي نشبت في أول القرن الخامس قبل الميلاد، ولا يهمنا منها إلا تلك الشخصية العظيمة، شخصية (ثيموستوكل) التي لعبت دوراً مهماً جداً في ترجيح كفة اليونان على كفة الفرس.