ولكي نتمثل أهمية الدور الذي لعبه ثيموستوكل، يجب أن نعلم أن اليونان لم يكونوا متفقين فيما بينهم وبين أنفسهم على الخطة التي يجب عليهم أن يتبعوها. كانوا فريقين: فريقاً منهم مع الفرس يساعدهم ويشد أزرهم، وفريقاً آخر في صف الوطن يعمل للدفاع عنه وللتمكين من استقلاله، وهم بعد ذلك لم يكونوا دولة متحدة قوية تقف صفاً واحداً أمام دولة الفرس، بل كانوا دولاً صغيرة تتنافس فيما بينها وتحقد كل منها على الأخرى، ثم إلى جانب هذا وذاك كانت كل دولة على صغرها منقسمة على نفسها في الداخل وتتنازعها الأهواء والأحزاب، فكان النزاع قوياً جداً بين الأرستقراطيين والديموقراطيين في أثينا وشديداً جداً بين الملكيين والأينور الخمسة في إسبرطة؛ وكذلك كانت الحال في أرجوس وكورنث وتساليا وغيرها، فجاء ثيموستوكل واستطاع أن يوحد بين هذه الأشتات المتناقضة وكون منها جبهة قوية وقفت أمام الفرس وصدتهم عن أرض اليونان، بل وأحرزت عليهم انتصاراً عظيماً هو انتصار موقعة (سلامين). فالشخص الذي يستطيع أن يجعل بلاده تحرز هذا النصر الحاسم وهي على هذا النحو من الانقسام والفرقة لا شك يعد من أكبر الشخصيات في التاريخ.
وقعت الحرب الميدية الأولى في عام ٤٩٠ ق. م ووجه الفرس حملتهم الأولى ضد أثينا وبلاد اليونان في هذه السنة، فتصدت لهم القوة الأثينية وعلى رأسها مليتاد يساعده بعض القواد مثل طالليماكوس وتيموستوكل وأرستيد، وتمكنت هذه القوة من صدهم وإلحاق الهزيمة بهم في موقعة ماراتون الكبرى، فارتد أسطول الفرس بعد ذلك عائدا إلى بلاده. انتصرت أثينا في هذا الدور الأول وكانت الشخصية الغالبة هي شخصية مليتاد؛ أما تيموستوكل فلم يكن له شأن كبير حينئذ، إنما كان يقوم بدور ثانوي في هذه المعركة، إذ وضع هو وأرستيد على رأس الوسط في الجيش، أما كبار القواد مثل مليتاد فقد وضعوا على رأس الجناحين لأن خطة الجيش اليوناني كانت ترمي إلى القيام بحركة تطويق لحصر جيش الأعداء.
هزم الفرس في هذه الموقعة؛ ولكن (دارا) ملكهم لم يكن بالشخص الذي يرضى عن الهزيمة، وإنما أخذ يعد العدة للانتقام، ثم مات دون أن يحقق هذا الغرض، وخلفه ابنه أجررنسيس تاركاً لهذا الابن عبئاً ثقيلاً ومهمة خطيرة، ولم يصب أجررنسيس هذا من