للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[طرائف وقصص]

شيء كالربيع

(إلى الباحثين عن حقيقة الفن وعشاق الجمال)

للأستاذ محمد أمين (البندقي)

كان (المطعم الروماني) في ذلك اليوم غريب الزحام، وما ذاك إلا لأن أوليفيا الحسناء كانت منذ أيام قد راحت تتردد إلى زبائنها الكثيرين ووعدتهم بأشهى طبق من طيور الصيد، تقدمه إليهم بغير زيادة على ثمن الوجبة المعهود، إذا ما عاد زوجها من رحلة الصيد في السبت، وكان ذلك اليوم هو يوم السبت. وإذن فقد كان علي أن أرضى ويرضى معي زميلي زوراي بتلك المائدة المهجورة عند باب لا يكاد يقفل حتى يفتح من جديد. وكان علنا أن نروض النفس على الصبر. فالخادم الكهل جيانينو بعد أن جاء بالنبيذ قد شغله الزحام مرة أخرى، فما عاد يستجيب لندائنا عليه بأكثر من (نعم يا سيدي. حاضر.).

على أن الانتظار في الحق لم يكن يضنينا. فقد كان صاحبي يتسلى بأن يرسم على ظهر قائمة الطعام صورة بارعة لذلك المتسول الشيخ الذي جلس على مقربة منا وهو يعزف أنغام الفرح الصاخب على (الفيزارمونيكا). وأما أنا فقد كنت أقلب النظر إلى ذلك العالم الصغير الغريب فأكاد أنسى كل شيء.

كان هناك فيردينيو المثال وقد رأيته يطلب اللتر الكامل من جيد النبيذ، فقلت لنفسي أنه لا ريب قد أخذ عربونا على تمثال للعذراء علم الله على قبر أي تعيس من التعساء يوضع.

وكان هناك توبي الرسام، وكنت أراه يقنع في ذلك اليوم أيضاً بشرب الماء القراح وفي وجهه الصلابة والعزم، وأفكر في الصعاب التي يصادفها كل عبقري يأتي بالجديد.

وكان سوزي هناك أيضاً؛ وجدته ضاحك الوجه لم تمنعه سنوه الخمسون من أن يضع في عروة سترته تلك الوردة الحمراء الملتهبة، فلم أشك في أن علاقته مع تلميذته الصغيرة في الأكاديمية لم تزل على ما يرام.

وأظل أتنقل بالنظر من مائدة إلى مائدة، حتى ينتهي صاحبي وهو يهزني من ذراعي هزاً:

- فيرا الرسامة! أتعرفها؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>