لاشك في أن مدفع برتا الذي ظهر في أواخر سني حرب ١٤ - ١٨ من مدهشات العلم والصناعة. أراد الألمان به أن يعزّزوا هجومهم في جبهة باريس بعدما طال وقوفهم أمام استحكامات الحلفاء في الخط الأخير في الميدان الغربي. وهذا المدفع الضخم العظيم كان من تصميم ووضع البروفسور المهندس راوزنبرجر من حوالي عالم ١٩٠٩ وأخرجته إلى حيز الوجود مصانع كروب في مدينة إيسن بإقليم الرور الصناعي
وأسطوانة هذا المدفع (الماسورة) من الصلب الكهربائي أي الصلب المصهور في أفران كهربائية ويضاف إلى المعدن المصهور السائل بعض عينات من معادن كالمنجنيز وغيره تزيد في صلابة السبيكة وشدة مراسها ومقاومتها للظروف العظيمة واحتمال الحرارات العالية الناجمة من انفجار وخروج المقذوفات. وتصنع كذلك بعض أجزاء المدافع الأخرى التي عليها ضغوط أو رضوض أو ارتكازات هائلة من نفس المعدن النفيس السابق ذكره؛ وأمر هذا المعدن من اختيار خاماته إلى صهره إلى حرارته إلى إضافات معدنية أخرى إلى صبه إلى تبريده من الأسرار الصناعية التي يُحرص على تكتمها
وكان لشدة انفجاره عند بدء تجربته في تهديد استحكامات الخلفاء دوي مفزع وقعقعة شديدة وصلصلة مصمة وصفير حاد نافذ صارخ، أخذ كل ذلك بألباب الجنود أول الأمر وأفزعهم وأزهق منهم الأنفاس، وأدخل الارتباك في صفوفهم والذعر بينهم، وتناقلته الألسن بالتهويل. أما آثار التخريب الحقيقية من وقوع القذائف على الأهداف فلم تكن مما يناسب هذه الأصوات المدويَّة، وإن كانت لبعد المرمى تصيب التحصينات الخلفية الأقل استعدادا. وأخذت قيادة الحلفاء بهذا الأمر على غرة فاستعدت له وأصلحت من آثار وقعه في نفوس الجنود
ونظراً لبعد المرمى الذي يبلغ عشرات الكيلو مترات لا يمكن ضبط وتحديد الهدف، وعدم سقوط كل قذيفة تالية على سابقتها. وتتعذر الرؤية، وقد تسوء وقد تخطئ، ولابد من ستر المدفع وإخفاء موقعه؛ وهو يشغل مساحة كبيرة ويعلو في الهواء، فأمر تعميته وتغطية