للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

العمليات العسكرية التي حوله ليست أمراً سهلاً؛ وهي اليوم من الفنون الحربية. وهو لا يشتغل دواماً برمي قذائفه بل لابد من راحة طويلة بعد كل سويعات، ولابد من راحة أطول بعد كل عملية، إذ الحرارة الشديدة لا يمكن تلطيفها بسرعة، وهي تقوِّس من استقامة الاسطوانة. وكذلك التآكل المعدني في سطح الاسطوانة الداخلي نتيجة احتكاك وانزلاق المقذوفات وخروجها حلزونية، وللترفيه كذلك والتخفيف النفساني عن الجنود القائمين بأمره

وسمي (برتا) باسم بنت أو أخت كروب الكبرى. وأنتظر الألمان من وراء استعماله مفاجأة للعدو وأثار تخريب وتمهيد نفساني؛ ولكن برغم سقوط بعض القذائف في باريس ودويّها في ضواحيها، فلم يتأت لهم جني ثمرة مغرية من غرسه. وكانوا يودون نصبه في كاليه ليضربوا منها الساحل الإنجليزي عند دوفر عبْر بحر المانش ولم يدركوا هذه الأمنية كذلك. وإذا ما علمنا أن الألمان عند أول استعمال هذا المدفع أعوزتهم بعض أمور نقص في البناء والتصميم والتركيب والحساب والخبرة وضيق الوقت والعجلة في الصنع وحرج الموقف الحربي، فيمكن القول أجمالاً بأن تجربته تمخضت عن فشل في الخارج والداخل. وإذا ما قدرنا ثمن أجزاء المدفع الباهظة ومعادنه النفيسة وثمن تشغيله وتضخم النقد وما علق الألمان عليه من آمال، أدركنا قيمة سقوط هذا المبتدع المخرب العظيم، وانتهت الحرب بانتهاء سنة ١٩١٨ على الوجه الذي نعلم جميعاً

غير أن الألمان أخذوا من الفشل درساً وعبرة، ولم تعجزهم تضييق شرائط الهدنة والصلح، حتى ولا سقوط النقد بعد الحرب والاضطراب السياسي، عن متابعة التحسين ومداومة الإبداع والاستحداث سراً، فأكملوا النقص وأصلحوا الأخطاء وصححوا المعايير الحسابية والأوزان الهندسية والنظريات العلمية والتراكيب المعدنية؛ وظهر مدفع برتا الثقيل من جديد في مخابئ كاليه على الساحل الفرنسي المحتل يطل بفوهته على البحر ويرنو إلى الشاطئ الإنجليزي، يقذف عليه الحمم ويصب النار والدمار تدله الطائرات بالاتصال اللاسلكي، وكذلك السفن الصغيرة السريعة على مواقع الأهداف وعلى سرعة واتجاه القافلات البحرية

إلا أن الإنجليز من جانبهم كالوا للألمان صاعاً بصاع وقذيفة بقذيفة وطلقة مدوية بطلقة داوية، فبهت الألمان وأدهشتهم المدفعية الإنجليزية الثقيلة. ولابد من الانتظار حتى تنتهي

<<  <  ج:
ص:  >  >>