هذه الحرب لنقول أي المحاربين كان لسلاحه أحسن استعمالاً وأدق تصويباً، وأي مدفعية أحق بالذكر والخلود في سجل مخربات حرب ١٩٣٩
ويعقب كل طلقة تمزق في الهواء وتخلخل فيه واضطراب، ويمتد أثر هذه الخلخلة المدمرة والضغوط الهوائية إلى وديان واسعة، وينتشر أثرها المخرب إلى أبعاد مترامية. وعند أول استعمال هذا المدفع قضى على رجاله وطوح بهم، فكانوا بعد ذلك يطلقونه بالاتصال الكهربائي بعد شحنه وهم محتمون بالخنادق الأرضية والغرف المحصنة. وحدث أن كان جنديان من جنود مراقبة الحلفاء واقفين على شجرة مرتفعة يرقبان حركات العدو، أن هويا على رأسيهما من حالق إثر طلقة تمزق بعدها الهواء وأندفع بقوة عاتية
ومع أن تكاليف هذا المدفع الثقيل باهظة وتشغيله يكلف الأموال الطائلة فإن أثره المخرب لا يوائم هذه المصاريف. إنما يقصد به زعزعة الروح المعنوية وانتشار الذعر والهلع والدهشة الانتفاض والإحراج والفوضى وبلبلة الأفكار والتهويل، وهذه كلها تتطلب ثمناً ولا يقل أثرها في الحرب عن أثر التخريب والتدمير. ويقصد كذلك دك الحصون القوية وأجزاء الجيش المحصنة داخل الأسوار وتحت الأقبية. وحدث في الحرب الماضية أن وقف المغيرون الألمان أمام بعض الحصون البلجيكية التاريخية كنامور وليبج عاجزين عن سحق مقاومتها وتركوا أمر ذلك أخيراً لأعمال هذه المدافع. وحدث مثل هذا في هذه الحرب. ولما تابع الألمان زحفهم لتطويق جيوش الحلفاء في سهول الفلاندر قامت المدفعية الثقيلة في البوارج بتغطية الانسحاب وتعجيز الألمان عن اللحاق بالمنسحبين. وكانت تقع القذيفة على الدبابة الهائلة فتنثر أشلاءها وتصبحها فتاتاً. ولما قاومت فارسوفيا ورفضت التسليم طوقها الألمان بالمدافع الثقيلة فدكوا ربوعها وروعوا أهليها
ويحتاج المدفع الثقيل الواحد إلى ١٢ عربة نقل من عربات السكة الحديد، وإلى ٥ عربات ذات بناء خاص لنقل الاسطوانة وغيرها من الأدوات الهامة، وهو يزن ٨٨. ٧٥٠ كيلو جراماً (ثمانية وثمانون طناً وثلاثة أرباع الطن). وتزن اسطوانته وحدها التي يبلغ قطرها الداخلي ٤٢ سنتيمتر أو ١٧ بوصة ٧٥٠٠ كيلوجرام (سبعة أطنان ونصف). ويزن الترباس ١٢٥٠ كيلو جراماً (طناً وربع الطن). وتزن كمية الخرطوش المتفجرة ثمانين كيلو جراماً، وهى من المفرقعات ذات القيمة العالية والضغط الهائل؛ وتشغل غازاتها