للعقاد منطقه القوي في كل ما يكتب، فقد كان مهيأ أن يكون رياضياً لو لم يكن أدبياً. وتلك علامة الطبع المستقيم. إلا أن منطقه في كتاباته الأولى كان منطقاً وئيداً متمهلاً فيه أيد وصرامة. فأما في (عبقرية محمد) فهو المنطق الجارف المتطلق المتحدر عن غير طريق من طرق الإقناع. مع وضاءة شفافة وإشعاع لطيف.
وفي الكتابة لمسات بارعة من المنطق العميق، أدق ما يصورها قول العوام (ضربة معلم!) وهي كثيرة متناثرة في الكتاب نكتفي منها ببعضها:
يقول قوم: إن الإسلام أستهوى من أسلموا باللذائذ الحسية وبالتخويف من السيف. فما إن يعرض لهذا القول حتى يجهز عليه بلمسة تهتدي إلى موضع الإقناع، أو (بضربة معلم) بارعة في الصميم وإذا هو يقول في موضع: (لم يكن أبو لهب أزهد في اللذة من عمر) ويقول في موضع آخر: (وما يقسم الطائفتين أحد فيضع أبا بكر وعمر وعثمان في جانب اللذة والخوف ويضع الطغاة من قريش في جانب العصمة والشجاعة) فيدرك القارئ أنها الضربة المجهزة التي لا تدع مجالاً للتعقيب، ويعلم كيف ينتفع المؤلف بالواقع المعروف على هذا الوجه الفريد.
ويعيب قوم على الإسلام التجاءه إلى السيف ويسمونه بميسم الإكراه على الدين. فما إن يعرض العقاد لهذه الفرية حتى يجهز عليها في لمسات متتالية أبرزها وأجدّها:(أن الإسلام إنما يعاب عليه أن يحارب بالسيف (فكرة) يمكن أن تحارب بالبرهان والإقناع. ولكن لا يعاب عليه أن يحارب بالسيف (سلطة) تقف في طريقه وتحول بينه وبين أسماع للإصغاء إليه. لأن السلطة تزال بلا سلطة ولا غنى في إخضاعها عن القوة. ولم يكن سادة قريش أصحاب فكرة يعارضون بها العقيدة الإسلامية، وإنما كانوا أصحاب سيادة موروثة وتقاليد