[رسالة الشعر]
ليس الشعر صنعة يمكن كل إنسان احترافها، ولا أداة يستطيع كل
شخص امتلاكها، وإنما هو رسالة يلهمها الشاعر، فإذا هو قد تبدل من
نفسه نفسا أخرى، تنظر إلى العالم نظرة جديدة، تغير قيم الأشياء في
رأيه، وتعدل أقدارها، نظرته لا تقف عند القشور، ولا تنحجز عند
اللفائف، وإنما تنفذ إلى اللباب، وتتغلغل إلى صميم الجوهر، وما تزال
هذه النظرة ترقى بإحساسه وتسمو بقلبه، حتى ترفع له الحجب عن
الجمال الهاجع في الكون، وتكشف له الأستار عن سحره البديع وسره
العجيب، فيخر ساجدا أمام عرشه مفتونا بحسنه، مأخوذا بروعته، وما
هي إلا عشية أو ضحاها حتى يحس بشعور غامض غريب، وحال
نفسية شاذة، لا يزالان يتضخمان في نفسه، ويتبلجان في قلبه، حتى
ينحسرا عن رسالة شاقة ممتعة معاً، هي رسالة الجمال، فيترجح بين
سترها ونشرها، ويتردد بين إخفائها وإعلانها. بيد أن رسل الوحي لا
تمهله ولا تتركه، بل تتبعه وتقلقه، وما تزال به حتى يذعن إلى تلبيتها،
ويستجيب إلى دعوتها، فيتناول قيثارته السحرية، ويوقع للناس عليها
أفكاره الغنائية اللذيذة، ويرتل عليها أناشيده العذبة الجميلة، محاولا بكل
جهده أن يطلعهم على هذه المعاني الموسيقية التي هي لباب كل شيء
في هذا الكون، وصميم كل موجود في هذا العالم، وكل ما سواها إنما
هو قشور وأغلفة، فان جمال الطبيعة ونظام الكون إنما يتألفان من
شيء يشبه النغمات الموسيقية وما بينها من ائتلاف وانسجام، ووحدة
ووئام، بل هو النغمات الموسيقية نفسها وما تحمل من رنة وجمال، وما