ساد المجتمع، خلال العصور القديمة، نوع من النظم الاجتماعية، وضرب من المبادئ الفطرية، أخذ بها طوال المدة التي جنح فيها إلى التفكير الهزيل، والمعرفة الضئيلة، والعلم القليل مما كان له أثر فيه. فاتسم بطابع خاص يتميز به عن بقية المجتمعات الإنسانية الأخرى، ولم يقتصر على الثقافة فحسب بل تناول التقاليد والعادات أيضاً.
وفي الواقع أنه إذا تقصى المرء أحوال المجتمع البشري القديم في الأزمنة الغابرة، ودرس نظمه الاجتماعية، وتفهم نفسية أفراده وأخلاقهم، والتمس ميولهم ورغائبهم، وتبين عاداتهم وتقاليدهم، واتصل بهذه النظم على ضوء الدرس المنظم وعن طريق التتبع والاستقراء، تكشفت له عن حياة اجتماعية متأخرة، وبيئة ضيقة، وعقلية محدودة وتفكير سقيم تتباين مع الحياة الاجتماعية الأخرى في المجتمعات الثانية وبيئتها وتفكيرها وعقليتها، هذه الحياة الاجتماعية توقفنا على درجة من درجات رقي المجتمع وحضارته وتكشف لنا عن سمة من سمات الطبع والنفس، ومظهر من مظاهر الروابط الاجتماعية والقيم الخلقية.
على أن هذه الحياة لا يزال يشوبها كثير من اللبس والغموض، ولا تزال تكتنفها ظلمة كثيفة في كثير من أفيائها وإن أخذ بعض علماء الاجتماع - يدفعهم في ذلك حب البحث والاستقراء والحاجة الملحة إلى المعرفة - يبددون ما أحاط بها من ظلمة، وما اكتنفها من شوائب.
ومن النواحي التي درسها علماء الاجتماع ناحية جليلة خطيرة لها أثرها المباشر في الحياة الاجتماعية وفي مقومات المجتمع البشري أيضاً: هذه الناحية تعرف بالتبعة والتي عرفها المجتمع في الوقت الذي عرف الإنسان فيه العمل الاجتماعي واضطلع به، إذ ذهب هؤلاء العلماء إلى أن التبعة كانت معروفة عند أكثر الأمم والشعوب القديمة. وقد استمدت بعض المجتمعات الحديثة نتفاً من قوانينها ونظمها فدمجتها فيما ابتكرته من نظم وقوانين حملت الإنسان تبعة ما يقوم به من عمل اجتماعي أو أدبي أو غيره. والواقع أن المجتمعات البشرية تختلف باختلاف درجتها في سلم الحياة والارتقاء. فعلى قدر ما يكون المجتمع البشري من الرقي والحضارة يحتاج إلى نظم جديدة تتلاءم مع الحضارة والرقي اللذين أخذ