بهما؛ فالمجتمعات والحالة هذه لا تتمشى على نظم واحدة، ولا تتقيد بقوانين واحدة، بل لابد لها من نظم مختلفة وقوانين متباينة تميز المجتمع الواحد عن الآخر وتصور نفسية أفراده وبيئتهم ودرجة رقيهم وحضارتهم.
بقيت مبادئ التبعة التي أخذ بها المجتمع البشري القديم، ردحاً من الزمن - قل أو كثر - خافية على كثير ممن يعالجون البحوث الاجتماعية حتى كشف عنها بعض كبار الباحثين ممن درسوا المجتمع القديم دراسة مكنتهم من إدراكها إدراكاً قد يكون تاماً أو لا يكون، بعد أن وقفوا على خصائص الحياة الاجتماعية التي سادت ذلك المجتمع، وبعد أن تفهموا المقومات الاجتماعية العديدة. وما زال الباحثون الاجتماعيون من ذوي الاختصاص يسيرون غور هذه الحياة وهذه المقومات الاجتماعية بعدما درست آثارها، وعفت رسومها أو كادت، فراضوا صعابها وجلوا شكوكها إلى أن وقفوا على عناصرها وعواملها، وكشفوا عن أسرارها وخبيآتها؛ وهم إلى ذلك - أي الباحثون - يؤمنون بأن القدامى من أفراد المجتمع كانت لهم من الآراء الفطيرة، والتفكير الفقير، والتقدير الهزيل، ما حملهم على إلقاء التبعة لا على عاتق كل فرد من أفراد المجتمع فحسب، بل على كل الكائنات الحية من حيوان وجماد أيضاً.
بدأ علماء الأجتماع، في العصر الحاضر، يدرسون المبادئ التي من شأنها أن تجدد كل عمل يقوم به الفرد في مجتمعه وما يتبعه من عقوبة وقصاص على ضوء علم النفس الحديث، وعلم الأمراض النفسية بعد أن كان المجتمع القديم يقيم حدها على كل فرد من أفراده، دون أن ينظر إلى نفسية هذا الفرد وإلى الأمراض المتصلة بها التي تتعاوره إبان حياته، بل كان مآل نظم المجتمع القديم فرض العقوبة على أي امرئ ارتكب جرماً أو اقترف إثماً.
والتبعة ليست، في الواقع، إلا نتيجة لعمل اجتماعي، شرعياً كان أو غير شرعي، يخالف ما تعارف عليه المجتمع وما ألفه الناس، أو بعبارة أخرى نتيجة أعمال وأفعال اجتماعية يقوم بها أفراد المجتمع تتعارض مع القوانين أو النظم الموضوعة التي تستوجب التبعة، فإذا ما خرق امرؤ حرمة الآداب والأخلاق، أو نكث عهداً من العهود الاجتماعية، أو اتهم برقة في دينه أو وطنيته، أو احتفظ بعلاقة غير شرعية مع فتاة، كان ذلك كافياً، في نظر المجتمع،