ولابد للمرء أن يتساءل عن الأعمال التي قد ترضى الجماعات الإنسانية أو تفضيها إذا ما قام بها، ولابد له من أن يتفهم التقاليد والعادات التي تدنيه من المجتمع أو تبعده عنه، كي يستبين طريقه على ضوئها، ويتمشى حسب نظم المجتمع لئلا يقحم نفسه في مآخذ عنيفة ومزالق خطرة تستوجب التبعة والعقوبة.
وماذا يعني بالتبعة؟. . . هي قيام امرئ بعمل ما، في مجتمعه أو في مجتمع آخر، في حالتي النفع والضرر. فالمرء الذي يقدم على أعمال من شأنها تحدي النظم القائمة وخرقها والتي قد يتضرر منها المجتمع الإنساني يكون مسئولاً عن أعماله هذه، كما أن المرء الذي ينشط إلى المحافظة على الآداب والأخلاق، والذي يلذ له خدمة الأمة والإخلاص لها والتفاني فيها يكون مسئولاً عن هذا العمل أيضاً. فالتبعة إذا تقع على عاتق المرء في الحالين المتقدمين وإن اتجه كل منهما اتجاهاً يختلف والآخر جد الاختلاف من حيث الوسيلة والغاية؛ وإذا ما أبدلنا العقوبة بالمكافأة واللوم بالثناء، فمن هو الذي يستحق العقوبة واللوم، ومن هو الجدير بالمكافأة والثناء؟. . . مما لا مشاحنة فيه إن الإنسان يكافأ على عمله إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره. . .
ألا ترى أن الأب يكافئ ابنه الأديب الوديع ويعاقب الطائش الشرير؟. . . وكذلك المربي؛ إلا تراه يثني الثناء العاطر على الطالب الخلوق الطيع، وينحي باللائمة على النفور المتمرد؟! والحكومة، ألا تشعر أنها تكافئ رجالها المخلصين والعاملين بالأوسمة والرتب، وتعاقب المجرمين والخائنين بالسجن والإبعاد والقتل أحياناً؟. . . ألا ترى أن الجماعة البشرية قد أعدت جوائز قيمة، أدبية ومادية، للأفراد الذين يحملهم الإخلاص ويدفعهم الوفاء على التفكير بترقية المجتمع وتخفيف الآلام عن الإنسان، ورفع مستوى الحياة الاجتماعية؟ أليس كل ذلك يدخل في حدود التبعة الاجتماعية على اختلاف شكوكها وتباين غاياتها؟! على أن العلماء لم يقصدوا بالتبعة إلى المعنى الذي ذهبنا إليه، ولم يتجهوا الاتجاه الذي أخذنا به، ولكن هي الحقيقة وهو الواقع! ولمَ لا يكون المرء مسؤولاً عما قام به من صالح الأعمال كما يكون مسؤولاً عما جنته يداه من إثم أو جريمة؟! وما التبعة في الواقع إلا