للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

صدى تلك الحياة الاجتماعية التي ارتضاها الإنسان لنفسه، وتلك البيئات التي تكتنفها التقاليد والعادات. . .

ومن هو المسئول - في الدرجة الأولى - في نظر المجتمع لقد أعطت الجماعات الإنسانية أجوبة تختلف باختلاف حياتها الاجتماعية وبيئتها وثقافتها، وتتباين بتباين أخلاقها وتقاليدها وعاداتها. على أنها حُملت الإنسان - منذ الأزمنة القديمة - التبعة، باعتبار أرقى المخلوقات الحية وأشرفها وأذكاها، وأقربها من المدينة والحضارة، حيث يقوم بدوره الرئيسي في المجتمع، إذ أنه ينعم بعقلية نيرة تدفعه إلى استخدام الحيوان لشؤونه اليومية والمعاشية والاستفادة من النبات والجماد لمنافعه الشخصية والبيتية التي تتطلبها حياته الاجتماعية. وهو - فوق ذلك - يملك من الأهلية والاستعداد ما يجعله يحمل تبعة ما يقوم به من عمل. لذا نجد الإنسان شاعراً بالتبعة ورازحاً تحت ثقلها منذ اليوم الذي قتل فيه قابيل أخاه هابيل

ولا يمكن الأخذ بالتبعة أو الإقرار بها إلا في حالة خاصة، بمعنى أن الإنسان إن لم يتمتع بعقل سليم وتفكير صحيح فلا جناح عليه بما يأتيه من عمل شائن أو فعل قبيح؛ لأن سلامة العقل وصحة التفكير شرط أساسي - في بعض المجتمعات - لإلقاء التبعة وتحمل العقوبة، وإن أقرَّ البعض هذه التبعة على من لم تتوفر فيه هذه السلامة والصحة، حتى أن بعضهم ذهب إلى إلقاء التبعة على الطفل والمجنون والأبله والمعتوه أيضاً. . . وتغالت المجتمعات القديمة، والحديثة المتأخرة، فذهبت إلى أبعد من هذا الحد، إذ ألقت التبعة على الحيوان والجماد!!

وقد تتعدى هذه التبعة من شخص إلى آخر وإن لم يجمعها نسب أو قرابة، وتتجاوز الفرد إلى الجماعة، وإن لم تكن بينهما صلة أو علاقة، وتعرف حينئذ بتبعة الجماعة، لكنها تبقى - في غالب الأوقات - تبعة غير محدودة بيد أن الجماعة التي تتحمل التبعة تكون ذات صلة مباشرة أو غير مباشرة - ولو إلى حد ما - بصاحب الجريمة أو الإثم، باعتبار أن أفرداها وحدة لا تتجزأ، وباعتبار أن المتهم فرد منها، فالجريمة التي يؤخذ بها هذا المتهم تؤخذ بها الجماعة، والتبعة التي يتحملها تشاركه الجماعة فيها، والعقوبة التي تفرض عليه تنالها أيضاً على حد سواء؛ وتبعة الجماعة إنما تكون في الجماعات التي تعيش قبائل

<<  <  ج:
ص:  >  >>