منفصلة الواحدة عن الأخرى، وفي المجتمع القديم الذي يتبع نظام التوعية والجماعت التي يرأسها شيخ هو أكبر أفرادها سناً ومن هذه الجماعات ظهرت أول مبادئ تبعة الجماعة التي تتعدى أقرب الناس إلى أبعدهم عن المتهم.
وهنالك أيضاً بعض الجماعات ممن يقرون مبدأ التبعة الفردية في جرائم خاصة، ومبدأ تبعة الجماعة في جرائم أخرى؛ ففي حالة الجرائم الصغرى كالسرقة أو القتل، إنما تكون التبعة فردية، وتكون جماعة في حالة الجرائم الكبرى كالخيانة الوطنية وخرق حرمة الدين، والثورة على الحكومة وقتل الملك وغيرها. . . ففي هذه الحالة تسود التبعة جميع أفراد عائلة المتهم دون النظر إلى تفاوت درجة القرابة والأعمار بينهم؛ فالجد والأب والأعمام والأولاد والحفدة يساقون إلى منصة الإعدام كالمجرم على حد سواء؛ أما أقرباؤه الأدنون، فيعاملون معاملة العبيد ويصبحون أرقاء، توزعهم الحكومة على قادة الجند بمثابة رهائن، ينقطعون للعمل، ويحبسون على الخدمة، وتصادر أملاكهم، وتحجز أموالهم، كما صودرت وحجزت أملاك أولئك من قبل.
كذلك كان عدم الوفاء لصاحب الجلالة، أو عصيان أوامره المقدسة، يسبب للفرد عقوبة تذهب بحياته، وتودي بأسرته إلى العذاب البئيس، وتهوى بهم إلى أدنى درجات الاسترقاق والعبودية؛ أما هو، فيعدم ويحرق، وأما زوجه وأولاده، فيصبحون أرقاء؛ أما أبواه وجداه واخوته وأولاد أخيه، فينفون من الأرض إلى أمد بعيد.
وهكذا نجد أن هذه العقوبة العنيفة التي تعرَّض صاحبها وأسرته ومن يلوذ به إلى الموت، والتي تجعل من ذوي قرابته عبيداً أرقاء، لم تستأثر بها أمة دون أخرى، بل اشتركت أكثر الأمم فيها مع اختلاف العقوبة من حيث العنف والقسوة باختلاف شرائعها وقوانينها. ففي فرنسا مثلاُ - أيام قيام الملكية في ربوعها - كانت عقوبة النبيل والشريف الذي يرتكب أية هفوة في حق الملك أو الإمبراطور، هي تجريده من رتبة العسكرية، وإنزال درجته النبيلة، وإبعاده مع أسرته خارج المملكة، أو الإمبراطورية، مع حرمانه هو وأسرته من العودة ثانية إلى بلاده ووطنه حرماناً قد يكون أبدياً؛ وإن قدر له أن يعود دون عفو خاص من صاحب الجلالة، فإنه يعدم حالاً دون أية محاكمة أو أي تحقيق؛ أما إذا لم يكن نبيلاً، وكان ينتسب إلى عامة الشعب، فعقوبته كما يقول الأستاذ تماثل عقوبة الشريف فضلاً عن هدم منزله