[٢ - ابن خرداذبه]
للأستاذ كوركيس عواد
يؤخذ مما ورد في بعض المراجع - أن ابن خرداذبه هذا - كان وزيراً، فقد ذكر البشاري المقدسي في عرض كلامه على (سد ذي القرنين) ما هذا نصه:
(قرأت في كتاب ابن خرداذبه وغيره في قصة هذا السد على نسق واحد، والفظ والإسناد لابن خرداذبه، لأنه كان وزير الخليفة، وأقدر على ودائع علوم خزانة أمير المؤمنين. . .)
ويؤسفنا أنه لم يشر إلى اسم ذلك الخليفة الذي وزر له، والمرجح عندنا أنه كان (المعتمد)
وقد بحثنا فيما بين أيدينا من تواريخ الدولة العباسية، والمصنفات الباحثة في أخبار الوزراء خاصة؛ فلم نجد بين هاتيك المدونات من ذكر أن ابن خرداذبه كان وزيراً لخليفة من الخلفاء. والذي نذهب إليه أنه كان وزيراً بالاسم فقط، وهذا أمر معروف عند متتبعي أحوال الإدارة في تلك الأزمنة التي كثرت فيها الوظائف، واصطنعت فيها الألقاب!
ومهما يكن من أمر، ففي العبارة التي نقلناها عن البشاري، خير دليل على عظم منزلة ابن خرداذبه عند الخليفة، وعلى اعتماد ذاك الخليفة عليه في أمور خزانته الحافلة
وقد ذكر ابن خرداذبه نفسه بنفسه، في أوائل كتابه (المسالك والممالك)، ولمح إلي مكانه من الخليفة بقوله:
(هذا كتاب فيه صفة الأرض، وبنية الخلق عليها، وقبلة أهل كل بلد والممالك والمسالك إلى نواحي الأرض، تأليف أبي القاسم عبيد الله بن عبد الله بن خرداذبه، مولي أمير المؤمنين)
والظاهر أن (أمير المؤمنين) هذا، قد كان المعتمد أيضاً، على ما عرف من صلة وثيقة بينه وبين هذا الخليفة
ولعبيد الله ابن خرداذبه أخبار تفرقت في شعر بعض معاصريه فيها ما يسير إلى أصله (الفارسي)، وما يشيد بذكر عائلته العريقة في المجد، وما يدل على سمو منزلته في الدولة
روى أبو بكر الصولي في كلامه على الشاعر أبي الطيب محمد ابن عبد الله بن أحمد بن يوسف أنه قال: (وكتبت إلى ابن خرداذبه، وقد دام المطر (بسر من رأى) وتأخرت عنه:
لعمري لئن سرّ الحيا في مواطن ... لقد ساَءني أن عاقني عن لقائكا
وقد كنتُ مشغوفاً بذاك أريده ... فحالَ قضاءُ الله من دون ذلكا