للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شعر الحماسة عند العرب]

للأستاذ أحمد حسن الرحيم

شعر الحماسة لا يخلو منه أدب أمة من الأمم الراقية، فهو قطعة من تاريخ حروبها الداخلية والخارجية، وهو حافز قوي يؤجج في النفس الحمية والحرص على الكرامة. ولكثرة حروب العرب كثر في أدب شعر الدماء والصدام. وقد تكيف العربي لبيئته القاسية وأذعن لما تطلب منه حفظا لحياته، فالذي يعيش في خيمته عرضة لكل هجوم يباغته به عدوه من الإنسان أو الحيوان ينبغي أن يكون شجاعا خفيف الحركة لا تربكه المفاجآت. ولما كان الكلام من وسائل الدفاع - أيضاً - فقد وجب أن يكون سريع الارتجال، حاضر البديهة، بليغ الإجابة، وقد أحب العرب باديتهم وفضلوها عن الحضارة وافتخروا بحريتها وطلاقتها، قال القطامي: -

ومن تكن الحضارة أعجبته ... فأي رجال بادية. ترانا

ومن ربط الجحاش فإن فينا ... قنا سلباً وأفراساً حسانا

وقد كان العربي بحاجة مستمرة إلى سلاحه وجواده وقد روى عن حاتم الطائي الجواد العلم أنه كان يجود بكل ما يملك إن سئل إلا أنه يشق عليه جدا أن يجود بجواده أو حسامه، وهو على حق في ذلك فجوده في آلة الحرب في مجتمع دموي يسلمه إلى الذل والهوان، قال الشاعر: -

فما منعت دار ولا عز أهلها ... من الناس إلا بالقنا والقنابل

ولسعة الصحراء وتنقل العرب فيها عز عليهم أن يذعنوا لجبار متحكم، لماذا يقبلون الضيم وأرض الله واسعة، ومطية السفر حاضرة وقد أوصى بعضهم بعضاً بمغادرة دار الهوان.

قال عنترة العبسي يطري دار العز ولو كانت سعيراً متقداً: -

لا تسقني كأس الحياة بذلة ... بل فاسقني بالعز كأس الحنظل

كأس الحياة بذلة كجهنم ... وجهنم بالعز أطيب منزل

وقال غيره: -

إذا جانب أعياك فاعمد لجانب ... فإنك لاقٍ في بلاد معولا

فالعربي في صحرائه جراب آفاق لا يضيره بل يسره أن يتنقل من أرض إلى أخرى إذ لا

<<  <  ج:
ص:  >  >>