لقد أوهنه الحزن، وشف قلبه الأسى؛ وكأن قتله هكتور لم يشف ما في نفسه من شجو، ولم يخفف عنه ما يلقه من عذاب البعد عن أعز أصدقائه. . . الفقيد بتروكلوس!
وخرج لبعض شأنه فرأى جثة عدوه في طريقه، تثير في نفسه الكوامن الشواجن، فينقض عليها كالمجنون، ويشبعها ركلا بقدمه، وكلوماً بخنجره، ويربط القدمين في عربته، ثم يلهب جياده بسوط نقمته، فتعدو كالريح حول قبر بتروكلوس، جارة وراءها جثمان هكتور، تقلبه في الأديم المندى، وتلته في التراب الهامد. . .
ويكون أبوللو مطلاً من سحابة سارية، فينتابه من الهم على صديقه ما يثير في قلبه الحنان المقدس، ويلقى درعه الذهبي على القتيل المهين، فتقيه الدرع من الصخر والحصى. . .
أما فينوس! فإنها ترف هي الأخرى فوق الجثة، وما تنفك تصب عليها من خمر الأولمب ما تنضح به من دمائها. . . وطلائها. . .
وتطلع الآلهة من ذروة جبل إيدا، فترثي لما يحل بالميت المسكين من هوان، ويلحظ أبوللو ما ينقدح من عيني سيد الأولمب من شر، فيجد فرصته، وينهض خطيباً مصقعاً كيماً يثير زيوس على أخيل. . . عسى أن يحل عليه غضبه. . . بعد إذ حماه طويلاً. . .
وينجح أبوللو في إثارة رحمة الآلهة، وتأليبهم على زعيم الميرميدون، وجعلهم إلباً عليه واحداً؛ لولا أن نهضت حيرا مغضبة، فانطلقت تدفع عن أخيل، وتذكر سادة الأولمب بهذا المهرجان الفخم الذي أقامه بليوس، أخوهم ونجيهم، هناك. . . هناك، في أعماق المحيط احتفاء بقدومهم للمشاركة في عرسه، وبنائه على ذيتيس المسكينة. . . التي يعلم الجميع أنها ثكلى. . . وإن لم تفقد بعد أخيل!!