للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[النارنجة الذابلة في الربيع]

لفقيد الشباب والأدب

المرحوم محمد الهمشري

كانت لنا عند السياج شجيرة ... ألف الغناَء بظلها الزرزور

طفق الربيعُ يزورها متخفياً ... فيفيض منها في الحديقة نور

حتى إذا حل الصباح تنفست ... فيها الزهور وزقزق العصفور

وسرى إلى أرض الحديقة كلها ... نبأ الربيع وركبه المسحور

كانت لنا. . . يا ليتها دامت لنا! ... أو دام يهتف فوقها الزرزور

قد كنت أجلس صوبها في شرفتي ... أو كنت أجلس تحتها في ظلتي

أو كنت أرقب في الضحى زرزورها ... متهللا يغشى نوافذ حجرتي

طوراً ينقِّر في الزجاج وتارة ... يسمو يزرزر في وكار سقيفتي

فإذا رآني طار في أغرودة ... بيضاء واستوفى غصون شجيرتي

فمتى يؤوب هتافه؟ ومتى أرى ... نوَّارك الثلجي يا نارنجتي؟!

ومتى أطير إليك. . . ترقص مهجتي ... فرحاً. . . وآخذ مجلسي من شرفتي؟!

هيهات لن أنسى بظلك مجلسي ... وأنا أراعى الأفق نصف مغمض

خنقت جفوني ذكريات حلوة ... من عطرك القمري والنغم الوضي

فانساب منك على كليل مشاعري ... ينبوع لحن في الخيال مفضض

وهفت عليك الروح من وادي الأسى ... لتعبَّ من خمر الأريج الأبيض

هيهات. . . لن أنسى ضحى (سبتمبر) ... والنحل يغشى نورك المتلالي

ومساء مارس كيف يهبط تلة ... شفقية. . . ممدودة الأظلال

نزل الحديقة تحت أرهام الندى ... وضفا عليك معطر الأذيال

فهناك كم ذهبية شغفت بها ... روحي فتاهت في مروج خيال

وهنا تحركت الشجيرة في أسى ... وبكى الربيعَ خيالها المهجور

وتذكرت عهد الصبى فتأوهت ... وكأنها بيد الأسى طنبور

وتذكرت أيام يرشف نورها ... ريق الضحى ويزرزر الزرزور

<<  <  ج:
ص:  >  >>