تمتاز قضية فدك على سائر القضايا الإسلامية بتدخل السياسة فيها، وما دخلت السياسة في أمر من الأمور إلا جعلته عرضة للاضطراب والتقلب. ولو أن السلطة القضائية انفردت بالحكم في هذه القضية لكان لحكمها فيها قداسته واستقراره، ولم تقع فيه تلك التقلبات التي استمرت حوالي قرنين من الزمان
وفدك بلدة بينها وبين المدينة ثلاث مراحل، وكان أهلها من اليهود، فلما فتحت خيبر أرسل أهل فدك يطلبون من النبي صلى الله عليه وسلم الأمان على أن يتركوا بلدهم ويرحلوا ففعل، وبهذا كانت فدك خاصة للنبي صلى الله عليه وسلم، لأنه لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب، فكان ينفق منها ويأكل، ويعود على فقراء بني هاشم، ويزوج أيمهم، وينفق على أبناء السبيل ونحوهم
وكان للنبي صلى الله عليه وسلم غير فدك سهمه من خيبر، وصدقته بالمدينة، فأما سهمه من خيبر؛ فأنه كان قد قسمه نصفين: نصفها لنوائبه وحاجته، ونصفها بين المسلمين قسمها بينهم على ثمانية عشر سهماً. وأما صدقته بالمدينة فقيل أنها كانت نخل بني النضير، أفاءها الله على رسوله فأعطى أكثرها للمهاجرين، وبقي منها له هذه الصدقة. وقيل أنها كانت أموال مخيريق من يهود بني قينقاع، وكان نازلا ببني النضير. وقد شهد أحداً مع النبي صلى الله عليه وسلم. وقال: إن أصبت فأموالي لمحمد يضعها حيث أراه الله
فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم تولى بعده أبو بكر رضي الله عنه، آتته فاطمة رضي الله عنها فقالت له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل لي فدك فأعطني إياه، وشهد لها علي بن أبي طالب، فسألها شاهداً آخر، فشهدت لها أم أيمن. فقال لها أبو بكر: قد علمت يا بنت رسول الله أنه لا تجوز إلا شهادة رجلين أو رجل وامرأتين، وقيل أنها قالت لأبي بكر: أعطني فدك؛ فقد جعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم لي. فسألها البينة، فجاءت بأم أيمن ورباح مولى النبي صلى الله عليه وسلم فشهدا لها بذلك، فقال لها: إن هذا الأمر لا تجوز فيه إلا شهادة رجل وامرأتين. ولا يقتصر الاضطراب في هذه القضية على