هاتين الروايتين، فقدري أيضاً أن فاطمة سألت أباها أن يهب لها فدك فأبى
وهناك روايات أُخرى تؤيد الرواية الثالثة، وتجعل قضية فدك قضية ميراث لا قضية هبة، فقد روي البخاري أن فاطمة والعباس عليهما السلام أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهما حينئذ يطلبان أراضيهما من فدك وسهمهما من خيبر، فقال لهما أبو بكر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا نورث، ما تركناه صدقة، إنما يأكل آل محمد من هذا المال، ثم قال: والله لا أدع أمراً رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنعه فيه إلا صنعته. فهجرته فاطمة فلم تكلمه حتى ماتت
وروي البلاذري أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أتت أبا بكر فقالت له: من يرثك إذا مت؟ فقال: ولدي وأهلي. فقالت: فما بالك ورثت رسول الله صلى الله عليه وسلم دوننا؟ فقال: يا بنت رسول الله، والله ما ورثت أباك ذهباً ولا فضة ولا كذا ولا كذا. فقالت: سهمنا بخيبر، وصدقتنا فدك، فقال. يا بنت رسول الله سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنما هي طعمة أطعمنيها الله حياتي، فإذا مت فهي بين المسلمين، وروي البلاذري أيضاً أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أرسلن عثمان بن عفان إلى أبي بكر يسألنه مواريثهن من سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر وفدك، فقالت لهن عائشة: أما تتقين الله، أما سمعتن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا نورث ما تركنا صدقة، إنما هذا المال لآل محمد، لنائبتهم وضيفهم، فإذا مت فهو إلى ولي الأمر بعدي. فأمسكن عن طلب ذلك منه. وقد مضى الأمر على هذا مدة ولاية أبي بكر، ولم يسلم له حكمه في ذلك إلا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم. أما فاطمة وزوجها علي وعمه العباس فلم يسلموا له هذا الحكم وتمسكوا بحقهم في ذلك الإرث. ولا شيء في أن تغضب فاطمة مع احتجاج أبي بكر بذلك الحديث السابق، وهي أولى الناس بالخضوع لحديث أبيها، فلعلها قام بنفسها أنها كانت أولى الناس بمعرفة هذا الحديث، لأنها صاحبة الحق في الإرث، ولم يكن هناك ما يمنعها أن تسمعه كما سمعه أبو بكر. وقد قالوا في تسويغ ذلك أنها كانت تعتقد تأويل الحديث على خلاف ما تمسك به أبو بكر، وكأنها اعتقدت تخصيص العموم في قوله صلى الله عليه وسلم - لا نورث - ورأت أن منافع ما خلفه من أرض وعقار لا يمتنع أن يورث عنه. وروي بعضهم أن أبا بكر عاد فاطمة في مرضها، فقال لها علي: هذا أبو بكر يستأذن