لست أدري علة هذا الموقف الذي يحاول أن يقفه الصديق الفاضل الدكتور زكي مبارك من فتنة وحدة الوجود! لقد حاولت بكل الوسائل أن أجتذبه إلى الميدان الذي لم يكن شك في أنه واجد فيه أخوة كريمة وصراحة تامة، وطريقاً منضورة بالورد. لكنه آثر السلامة آخر الأمر، وليته في إيثاره السلامة كان رحيماً بالناس كما يقول فأغلق باب جهنم حتى لا يصلى بحرها أحد لا من الخاصة ولا من العامة. . .
لقد وعد الأخ الكريم أن يجلي للناس غامض هذه الفتنة بعد إذ لاحظ أن كل الذين كتبوا عنها حاموا حولها ولم يخوضوا فيها. . . لكنه أخلف، ثم وعد، ثم اخلف، ثم وعد. . . ثم آثر السلامة آخر الأمر، خوفاً من بلبلة أفكار المسلمين، وإشفاقاً على العامة من أن يزلزل إيمانهم. . . فما هذا الذي يقوله الأستاذ؟ وأي وسيلة لبلبلة الأفكار أفتك من هذه الوسيلة من وسائل الحوار؟ إن الأستاذ بموقفه ذاك يلقى الريب في قلوب المسلمين أضعاف ما كان يفعل لو أنها توكل على (الوجود المطلق الكلي) فشرح لنا وحدة الوجود كما يفهمها ويؤمن بها. . . على أنني أسبق فأطمئنه؛ فمهما حاول الأستاذ أن يوهم بأن الذي قاله الشيخ معروف الرصافي في هذه الوحدة حق، فلن يتأثر بإيهامه أحد من المسلمين الصادقين الذين لا يعقلون كيف تكون الحمير والبغال والمجانين والببغاوات. . . و. . . وهذه القطة النائمة التي (تخربش) من يوقظها أجزاء من الله الذي يعبدونه ويخبتون له أو مظاهر لهذا الإله العجيب الذي يقول أنصار وحدة الوجود أنه لا وجود إلا له. . . أما هذه المخلوقات فهي باطل. . . هي وهم. . . ولست أدري كيف يكون وجود الرصافي وهماً وباطلا، ووجود الدكتور زكي مبارك وهماً وباطلاً. . . وهاهو ذا يعترف بوجود نفسه ويعترف الناس بوجوده ويأكل ويشرب ويسافر وحده أو مع غيره ويعلم وينتفع الناس بعلمه وينصح التلاميذ الأغنياء ويواسي التلاميذ الفقراء، ويكتب في الجرائد والمجلات ويحاضر ويخطب ويؤلف إلى آخر ما يقوم به من شؤون هذه الحياة الدنيا ولست أدري كيف يؤمن أخي الدكتور زكي مبارك بأنه لا وجود له وهو ينكر الموت في السؤال الذي يوجهه إلي