سادت فرنسا في القرن الثامن عشر موجة فكرية تدعو إلى الطبيعة واشتدت هذه الموجة بفضل ما كتبه أدباء فرنسا ومفكروها سواء صدروا في كتاباتهم عن الإنجليز المعاصرين أمثال أو تأثروا بحالة بلادهم فتمثلوها وترجموا عنها أدباً وفلسفة واقتصاداً وسياسة إلى غير ذلك من نواحي النشاط الإنساني.
ترددت تلك الدعوة إلى الطبيعة على كل لسان وقلم، وامتزجت بها كل وحدة من وحدات المجتمع الفرنسي. وكان من بين تلك الدوائر جماعة الطبيعيين (الفيزيوقراطيين) الذين كانوا خير من تبنوا هذه الدعوة وأنموها وأوصلوها إلى نتائج وقفت الحضارة الفكرية عندها طويلا، لأن هذه الجماعة سوغت لنفسها أن تتخذ (العلم العام للمجتمع) مذهباً لها.
نشأت هذه الجماعة في فرنسا حوالي سنة ١٧٥٠ م وكان مؤسسها (كيسنس الذي ساهم في قيامها بكتبه التي تحوي جميع العناصر الرئيسية للمذهب، من ذلك: مبدأ الحق الطبيعي، ونظرية الإنتاج الزراعي الخالص، ونظرية الشركة العادلة بين الملاك والمنتجين، ونظرية الاستبدال الطليق، ونظرية الحكومة الاستبدادية المستنيرة. وقد انتشرت هذه التعاليم بحذافيرها حينا، ومعدلة حينا، ومغيرة حينا في خارج فرنسا بل في داخلها. وكل ما كتب بصددها في المرحلة التالية للفيزيوقراطيين مباشرة إنما كان مستمدا من مؤلفات (كيسني) وقائما على الأصول التي وضعها.
نعم سبقه كثير من الماديين، وسار على نهجهم واعتنق بعض مذاهبهم، وحقا إن (لوك) وغيره من الإنجليز كانوا أسبق من (كيسني) فيما ذهب إليه، فلوك هو القائل بنظرية الحق الطبيعي، والمدافع عن حرية التجارة، ولكن هذه الآراء وإن تسربت كلها أو بعضها إلى فرنسا إلا أنها لم تعمل على خصوبة الفكر الفرنسي، ولم تكن هي الباعث على قيام هذه المدرسة وتعاليمها، وذلك لأن مركز فرنسا المادي حينذاك كان منحلاًا لما كانت تعانيه من فساد النظام التجاري، فضلا عن انحطاط الحالة الزراعية والصناعية جميعاً.
ففي مثل هذه الحالة، يتجه الاهتمام أول ما يتجه نحو (حقوق الإنسان) التي تربطه بالمجتمع، تلك الحقوق الطبيعية التي لا مصدر لها غير الطبيعة وحدها. ومن الواضح أن