وشعرت وأنا أجتاز دهاليز الأزهر وأستقبل لأول مرة أروقته وحلقات دروسه بنوع من الرهبة والخشوع والتسليم. فهذا المعهد العظيم موئل الإسلام ومعقله، ومنبع الثقافة الدينية، وحامي حمى اللغة العربية. كان من أسمى أماني أن أندمج في سلك طلابه. وكم كنت في شوق لاهف إلى أن أنهل من ينبوعه الفياض روح الإسلام الحق، وأضيء شمعة معرفتي الخافتة بحيث تتحول إلى شعلة وقادة، وإلى حماسة فائقة داخل جوانحي، وأتعرف إلى شيوخه الذين يقودون العالم الإسلامي بآرائهم وأفكارهم، كما كنت على يقين وثقة أنني بمعاونة هؤلاء العلماء الفطاحل سأمضي في ترجمتي للقرآن الكريم إلى اللغة المجرية بحيث أجعلها في متناول آلاف المسلمين من مواطني.
ومع أن هذه الترجمة كانت عملاً شاقاً مضنياً، فإني كنت أحس من أعماق روحي أنها فرض واجب علي كمسلم مخلص يريد أن يعلي منار الإسلام ويطمح في أن يضيف لبنة صغيرة إلى صرحه العظيم.
وخيل إليَّ وأنا في نشوة روحية عميقة أنني بدأت أظفر ببغيتي وأُجزى خير الجزاء عن تلك الليالي الطويلة التي لم أذق فيها طعم الكرى، بل أمضيتها منكباً على دراسة الإسلام وتفهم قواعده وأصوله، وأن كل ما حاق بي من مصاعب سيتبدد، وفشلي سيتحول إلى فوز عظيم وانتصار رائع بمعاونة شيوخ الأزهر ومدهم يد المساعدة إلى عملي المتواضع.
ولكنني رأيت والأسف يملأ جوانحي أن آمالي تنهار دفعة واحدة بحيث أصبحت عاجزاً عن خدمة الغرض الأسمى الذي خصصت حياتي له. علمت بأن هناك وشاة أوعزوا إلى الشيخ الظواهري بأنني دخيل أرمي إلى الوقوف على أسرار الإسلام وإذاعتها في البيئات العلمية في أوربا! وعلى الرغم من الظنون والشبهات السيئة التي حامت حولي بذلت جهداً