الأستاذ بجامعة كونيكسبرج، والأستاذ بالجامعة المصرية
- ١ -
إن الغرض من المحاضرات الثلاث التي أتشرف بإلقائها عليكم هو أن أتحدث إليكم عن الطريقة التي يجري عليها العلم الأوربي في درس الشرع الإسلامي، وعن بعض النتائج الهامة التي أسفر عنها هذا الدرس. وقد بدا لي أن هذا الموضوع خليق بأن يثير اهتمامكم من أكثر من وجهة واحدة، فأن مصر كبلد إسلامي حديث لا يمكن إلا أن تهتم ببحوث علمية ترمي إلى إظهار خاصة من خصائص الإسلام، والعلم الأوربي من جانبه ينبغي ألا يهمل الاتصال بالعلم الإسلامي المعنيّ بهذا الموضوع. ورغم اختلاف المبادئ والطرق والمصالح التي تفصل هاتين المدرستين إحداهما عن الأخرى، فقد ألفت بين بحثيهما في الشرع الإسلامي آصرة مشتركة جوهرية، هي روح البحث العلمي الذي يحدو المستشرقين الأوربيين اليوم، كما كان يحدو علماء الإسلام من عهد القرون الوسطى. هذا العتاد المشترك يبعث على أشد التفاؤل بتعاون مثمر قائم على الاحترام المتبادل بين العلماء الشرقيين والغربيين في هذا الباب، تعاون لا يوهن في تعلق فريق منهما بالتقاليد واستمساك الفريق الآخر بأساليبه العلمية، وإني لأرجو أن يكون في مقدوري المساعدة على تنمية التفاهم بين الفريقين؛ وليس في نيتي أن أعرض صورة عامة للشرع الإسلامي، وأن أكرر كثيراً من الأشياء المعلومة لكثرتكم بلا شك، بل أتكلم عن مسائل خاصة في تاريخ هذا الشرع تناولها علماء أوربة متوخيا عرضها عليكم في صورة قد تثير اهتمام حتى غير الاختصاصين منكم
ولنبدأ بالمسألة العامة - مسألة تاريخ الشرع الإسلامي؛ فهذه المسألة تمكنني من اطلاعكم على ما بين وجهتي النظر من اتفاق تام، فعلماء الإسلام يرون في الشريعة تعبيراً عن الإرادة الإلهية التي لا تبدل فيها؛ وقد كان مع هذا المبدأ من المسلَم به دائماً أن تعبير الفقه