زاول (فرويد) بعد عودته من فرنسا مهنة الطب بمدينة فينا وانصرف إليها يمارسها بالعناية التي انطبعت عليها نفسه والتي وصفناها في المقال الماضي.
وكان قد عرف قبل رحلته إلى باريس طبيباً يدعى (جوزيف بروير) فانضم إليه بعد أوبته واشتركا في مزاولة مهنتهما.
تحدث هذا الطبيب إلى (فرويد) قبيل سفره عن فتاة هستيرية أصيبت وغموض القوى الواعية، وروى له أنه لاحظ أن حالة الفتاة تتحسن كلما استطاعت التحدث ملياً عن نفسها. وكان لهذا السبب يصغي في صبر لحديثها عندما تترك فيه المجال لواهمتها الشعورية، وأنه لاحظ أن اعترافات الفتاة متقطعة، وأنها تخفي عن قصد أشياء يظهر أنها لعبت في حياتها دوراً هاماً، وكانت من مسببات علتها. فخطر له أن يستعمل التنويم المغناطيسي على أمل أنها، وهي معدومة الإرادة في حالة السبات، تبوح بما تخفيه في يقظتها. وهكذا استطاع أن يعرف من الفتاة أنها بينما كانت تعنى بوالدها المريض أحست في نفسها بمشاعر كبتتها لأسباب أخلاقية فاتخذت هذه المشاعر شكلاً آخر برز في أعراض مرضها. وكانت أعراض الهستيريا تزول كلما باحت بحقيقة الأمر.
لم يجد (بروير) في هذه الفتاة غير حادث مرضي استطاع كشف الستار عنه ومعالجته. أما (فرويد) فشعر بغريزته العميقة أن الأمر أشد خطراً مما توهمه صاحبه، وأنتهي من ذلك إلى هذه الحقيقة وهي أن (قوى النفس تتحول عن مراكزها) وأنه يجب أن يوجد في العقل غير الواعي قوة عاملة تحول الشعور عن مجراه الطبيعي وتقذف به إلى مظاهر نفسية أو طبيعية.
ولما كان هذا العارض الذي كشف عنه (بروير) يؤيد الاختبارات التي شاهدها (فرويد) بباريس ويبرزها في صورة جديدة، استقر رأي الزميلين على متابعة أبحاثهما التي قصدا