للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إليها في طريق مظلمة وعرة. وهكذا وضعا كتاب (العمل النفسي في عوارض الهستيريا) الذي ظهر سنة ١٨٩٣ و (رسالة في الهستيريا) ظهرت سنة ١٨٩٥ فكشفا عن حقيقة هذا الداء في كتابيهما وأبرزاه تحت ضوء جديد.

وقررا للمرة الأولى في علم الطب أن الهستيريا ليست من علل الجسم الأصيلة ولكنها اضطراب ناتج عن صراع داخلي لا يشعر به العليل نفسه وأن تحت ضغط هذا الصراع تظهر عوارض هذا الداء، وهو انحراف مرضي.

تنتج إذن الاضطرابات النفسية عن كبت العواطف كما تنتج الحمى عن التهاب داخلي، وكما تهبط درجة حرارة المحموم عندما يجد الالتهاب منفذاً، كذلك تزول أعراض الهستيريا عندما يستطاع التفريج عن العواطف المكبوتة (والسير بها في السبل الطبيعية حيث تتركز القوى الشعورية منبسطة في حرية بعد أن كانت ملتوية أو بعبارة أخرى مخنوقة، وكان هذا الخنق سبباً لاستمرار عوارض الداء).

على أن الزميلين، (فرويد) و (بروير) انفصلا بعد لأي لأنهما كانا قد وصلا إلى نقطة لم يتفقا عليها. كان بروير طبيباً يخشى خطر الاعتماد المطلق على علم النفس ويصرف همه إلى وسائل معالجة الهستيريا والشفاء من أعراضها، بينما صار (فرويد) الذي اكتشف في مواهبه ميلاً إلى علم النفس مأخوذاً بالعوارض النفسية وبالأسرار التي يكشف عنها تبدل العواطف، وقد أثار فضوله أن هذه العواطف تكبت فتقوم مقامها عوارض جسمية فاستمر في البحث حتى بدا له أن هذه الظواهر تصح أساساً للتحليل النفسي، وأنها تفتح أبواب عالم جديد قائم على العقل غير الواعي، فوقف حياته منذ ذلك العهد على (درس المناطق غير الواعية في الحياة والنفس)، وكان ذلك أساساً لمذهبه الجديد الذي نفصله فيما يلي:

كان علماء النفس قبل (فرويد) يعرفون أن الطاقة النفسية لا تتلاشى كلها في عمل العقل الواعي، وأن هناك قوة أخرى خفية تؤثر في حياتنا وتفكيرنا، ولكنهم كانوا يجهلون هذه القوة ولا يحاولون إدخال العقل غير الواعي في محيط العلم والتجربة.

كان علم النفس أيامئذ، أي قبل سنة ١٩٠٠، وهو العهد الذي قرر فيه (فرويد) نظرياته، لا يهتم بالأعراض النفسية إلا بقدر ما تدخل في دائرة الوعي الواضحة، فلا تدرس العاطفة إلا إذا ظهرت تماماً، ولا يعنى بالإرادة إلا إذا أملت مشيئتها فعلاً؛ وهكذا كان علم النفس

<<  <  ج:
ص:  >  >>