للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[في الاجتماع اللغوي]

اللهجات العامية الحديثة

عوامل تطورها وصفاتها المشتركة

للدكتور علي عبد الواحد وافي

أستاذ الاجتماع بكلية الأدب بجامعة فؤاد الأول

- ١ -

تقتضي نواميس اللغات أنه متى انتشرت اللغة في مناطق واسعة من الأرض، وتكلم بها طوائف مختلفة من الناس، استحال عليها الاحتفاظ بوحدتها الأولى أمداً طويلاً، بل لا تلبث أن تنعشب إلى لهجات، وتسلك كل لهجة من هذه اللهجات في سبيل تطويرها منهجاً يختلف عن منهج غيرها، ولا تنفك مسافة الخلف تتسع بينها حتى تصبح كل منها لهجة متميزة غير مفهومة إلا لأهلها. وبذلك يتولد عن اللغة الأولى فصيلة أو شعبة من اللهجات يختلف بعضها عن بعض في كثير من الوجوه. ولكنها تظل مع ذلك متفقة في وجوه أخرى، إذ يترك الأصل الأول في كل منها آثار تنطق بما بينها من صلات القرابة ولحمة النسب اللغوي. وكثيراً ما يبقى الأصل الأول مدة كبيرة لغة أدب وكتابة بين الشعوب الناطقة باللهجات المتفرعة منه

ولهذا القانون خضعت اللغات الإنسانية من مبدأ نشأتها إلى العصر الحاضر. فاللغة اللاتينية مثلاً - وهي إحدى لغات الفرع الإيطالي من الفصيلة الهندية - الأوربية، قد أخذت في أواخر العصور القديمة وفي العصور الوسطى تنشعب إلى عدد كبير من اللهجات، وأخذت كل لهجة من هذه اللهجات تسلك في سبيل تطورها منهجاً يختلف عن منهج غيرها، حتى أصبحت كل منها لغة متميزة مستقلة غير مفهومة إلا لأهلها. وقد بقيت اللاتينية مدة كبيرة لغة أدب وكتابة بين الشعوب الناطقة باللهجات المتفرعة منها (الفرنسية، الإيطالية، الإسبانية، البرتغالية، لغة رومانيا. . .). ولكنها تنحت عن هذه الوظيفة بعد أن اكتمل نمو هذه اللغات. . .

ولم تفلت اللغة العربية - وما كان يمكن أن تفلت - من هذا المصير؛ فمنذ أن اتسع

<<  <  ج:
ص:  >  >>