للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

انتشارها، أخذت تنشعب إلى لهجات يختلف بعضها عن بعض وتختلف عن الأصل الأول الذي انشعبت عنه في كثير من مظاهر الصوت والقواعد والدلالة والمفردات؛ وسلكت كل لهجة منها في تطورها منهجاً يختلف عن منهج غيرها، تحت تأثير ظروفها الخاصة، وأخذت مسافة الخلف تتسع بين هذه اللهجات، حتى أصبح بعضها غريباً عن بعض: فلهجة العراق أو لهجة المغرب مثلاً في العصر الحاضر، لا يفهمها المصري إلا بصعوبة وفي صورة تقريبية. غير أنه قد خفف من أثر هذا الانقسام اللغوي بقاء العربية الأولى بين هذه الشعوب لغة أدب وكتابة ودين

ويرجع السبب في أنشعاب هذه اللهجات عن العربية الفصحى وفي تطورها المطرد في نواحي: الأصوات والقواعد والدلالة والمفردات، إلى عوامل كثيرة من أهمها ما يلي:

١ - انتشار اللغة العربية في مناطق لم تكن عربية اللسان فقد تغلبت اللغة العربية على اللغات اليمنية القديمة في معظم بلاد اليمن، وعلى اللهجات الآرامية في العراق والشام، وعلى الألسنة القبطية والبربرية والكوشية في مصر وشمال أفريقيا وشرقها. ومن المقرر أن اللغة الغالبة ينالها كثير من التحريف في ألسنة المحدثين من الناطقين بها (المغلوبين لغوياً) تحت تأثير لهجاتهم القديمة وأصواتهم ومفرداتها وما درجوا عليه من عادات في النطق وهلم جراً. . .

وقد كان لهذا العامل أثر واضح في اختلاف لهجات هذه المناطق الجديدة بعضها عن بعض، واختلافها عن اللسان العربي الأول. فقد تأثرت اللغة العربية في كل منطقة من هذه المناطق بلهجاتها القديمة، وانحرفت في ألسنة أهلها انحرافاً خاصاً اقتضته عاداتهم الصوتية المتأصلة ومناهج ألسنتهم الأولى؛ وتأثرت ألسنة الجاليات العربية نفسها في كل منطقة من هذه المناطق بألسنة أهلها، فنشأ من جراء ذلك في كل بلد من هذه البلاد لهجة عربية تختلف عن لهجة غيرها، وتختلف عن اللغة العربية الأولى فالعربية في الشام مثلاً متأثرة بالألسنة الآرامية القديمة، وفي المغرب باللهجات البربرية التي صرعتها العربية في هذه البلاد. . . وهلم جراً. . .

٢ - عوامل اجتماعية سياسية: كاستقلال البلاد العربية بعضها عن بعض، وضعف السلطان المركزي الذي كان يجمعها ويوثق ما بينها من علاقات. فمن الواضح أن انفصام

<<  <  ج:
ص:  >  >>