إن صرح القانون مشيد على فكرة الالتزام. وقد ارتدت هذه الفكرة في القانون الخاص رداء خاصاً، حيث ظهرت في صورة الحق الشخصي، المقابل للحق العيني. ثم هي فيه، تخضع لقواعد عامة، تحكم مختلف المسائل التي تعرض للالتزام. وقد استخلص هذه القواعد فقهاء الرومان، ونقلت عنهم في القوانين المستمدة من التشريع الروماني. وجمعت هذه القواعد، النظرية المعروفة بالنظرية العامة للالتزامات، وهي نظرية أجمعت الآراء على أنها من خير ما أنتجت قريحة الرومان القانونية.
أما في الشريعة الإسلامية، فقد وجه الفقهاء جهودهم نحو الحلول الفرعية، ولم يحاولوا وضع قواعد عامة تحكم الالتزام في مصادره، وفي آثاره، وفي طرق انقضائه. على أن بالشريعة الإسلامية كنوزاً من الأفكار والآراء والتصويرات القانونية، فإذا نحن أردنا الانتفاع بها يتحتم علينا أولاً الوصول إلى القواعد العامة التي تحكمها جميعاً، إذ لا يقوم العلم إلا على أساس من القواعد العامة.
ثم إن الفقه الإسلامي، قام وترعرع في مدى أجيال عديدة، وساد في مختلف الأقطار التي جمعتها المدنية العربية، تلك المدنية التي تركت آثاراً خالدة في جميع مناحي العلوم والفنون. فليس من الغريب أن يكون أثرها كذلك في ناحية التفكير القانوني. وفي الواقع قد ظهر هذا التفكير في صورة من أبهى صوره، ولا تزال آثار هذا التفكير من أنفس ما يدخر الشرق من التراث العلمي.
فمن العقوق إذن أن يهمل هذا التراث؛ ومن العناية به أن يعمد إلى التأليف بين فروعه. ففي جميع الأمم وفي مختلف العلوم عمد العلماء إلى التركيب بعد التحليل؛ وقد قام الفقهاء بقسطهم الوافر من التحليل، فيتعين البدء من حيث انتهوا، وبهذا العمل نكون قد وصلنا ما كان قد انقطع. فعسى أن يكون الاهتمام بالآثار القانونية لفقهاء المسلمين على هذا الوجه فاتحة عصر إحياء لتشريع لا يمكن أن يكون ملائماً مثله في بلاد كانت مهداً له ومرتعاً.
وإن في هذا العمل تحقيقاً كذلك لغرض من أغراض التشريع المقارن، وقد أعلن المؤتمر