شكرت للكاتب الأديب أحمد جمعة الشرباصي الفرصة التي هيأها لي للكلام في مسألة دار حولها قول كثير، ونقلت عني نقلاً غير صحيح، وهي تجريح الإمام ابن شهاب الزهري أثناء محاضراتي بكلية الشريعة الإسلامية. وحقيقة الأمر هو أني كنت أعني في محاضراتي عن تاريخ علم الحديث بتعريف الطلاب طريقة البحث الحديث في نقد الأحاديث، وأضرب لهم في ذلك الأمثال، وكان من هذه الأمثلة ما ذكرته لهم من نقد بعض المستشرقين، وهو جولدزيهر للإمام الزهري وأحاديثه التي رواها في فضائل الشام وبيت المقدس، وخلاصة هذا النقد هو أن الإمام الزهري كانت له صلات وروابط بالبيت الأموي، وأن عبد الملك ابن مروان كان منع الناس من الحج أيام فتنة الزبير، فبنى عبد الملك قبة الصخرة في المسجد الأقصى ليحج الناس إليها، ثم أراد أن يبرر عمله هذا، فوجد في الزهري - ومقامه الديني معروف - آلة لوضع أحاديث مثل الحديث المشهور:(لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى). ولكن رأى هذا المستشرق قد فند بعد ذلك، وخطئ بشدة من المستشرقين أنفسهم الذين رأوا فيه مخالفة تاريخية واضحة. وإليك ما يقوله المستشرق فينسنك في ذلك:(وقد زعم بعضهم - يعني جولدزيهر - وضع حديث (لا تشد الرحال). وهو حديث مذكور في جميع كتب السنة المعتبرة، وذلك لكي يجعل الحج إلى بيت المقدس مثل الحج إلى الكعبة، ولكي يحمي الخليفة عبد الملك في حربه ضد ابن الزبير الثائر عليه بالبلاد المقدسة). ولكن هذا الاتهام لمثل هذا المحدث الكبير تسقطه الأدلة التاريخية، فإن خروج ابن الزبير كان في سنة ١٤ - ٧٣هـ، والزهري الذي ولد سنة ٥١هـ أو بعدها كان في هذا الوقت شاباً لا أهمية له، ولم يكن قد بلغ بعد شهرته في الحديث، ومثل هذا الوضع لا يمكن أصلاً أن يكون لأن الإمام الزهري من الرجال الثقات. وكان سعيد بن المسيب الذي روى عنه هذا الحديث لا يزال حياً فإنه توفي سنة ٩٤هـ. وبالطبع كان لا يمكن أن يقبل أن يستعمل اسمه استعمالاً سيئاً، خصوصاً إذا عرفنا أن الزهري ليس هو وحده الذي روى هذا الحديث عن سعيد). هذا هو كلام فينسنك (راجع مجلة المستشرقين الألمانية عدد ٩٣ص٢٣)