للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[لا تدابروا أيها الرجال!]

للأستاذ محمود محمد شاكر

زعموا أن رجلا ضل له بعير فأقسم لئن وجده ليبيعنه بدرهم، فأصابه، فقرن به سنوراً وقال للناس: (أبيع الجمل بدرهم، وأبيع السنور بألف درهم، ولا أبيعهما إلا معا). فقيل له: (ما أرخص الجمل لولا الهرة!) فذهبت مثلا!

والظاهر أن بعض ساستنا لا يفتأون يفعلون فعل هذا الأعرابي، كأنما كتب عليهم أن يتحدوا دائما إرادة هذا الشعب المسكين المصفد في الأغلال الوثيقة، وكأنما كتب عليهم أن يختلقوا العناد اختلاقا حتى يضيعوا عليه كل فرصة سانحة لنيل حقوقه المهضومة منذ قديم الأيام، وكأنما كتب عليهم أن يتعيشوا بنكبات هذا البلد وآلامه. وإلا فليحدثنا هؤلاء الساسة فيم يختلفون اليوم، وعلام يتدابرون تدابر الذئاب التي قال فيها القائل:

وكنتَ كذئب السَّوْء، لما رأى دماً ... بصاحبه يوماً، أحالَ على الدَّمِ!

لقد ظلت المسألة المصرية السودانية منذ أكثر من نصف قرن وهي تتخبط في أساليب السياسة البريطانية وتكاذيبها وخدعها وتغريرها بعقول الرجال، وتكاثرت النكبات على مصر والسودان، واتخذت بريطانيا صنائع لها لبسوا ثوب الصديق وهم ألد عدو وأبشعه وأخلاه من الشرف والمروءة، ولم تزل مصر والسودان تجاهد بطبيعتها الحرة الصريحة المكنونة في صدور أهل هذا الوادي الحر النبيل، فغلبت الشر وقهرته، واستعلنت على أبين ما تكون وأكمله، فانتهينا من ذلك الوباء الفتاك الذي كان ينخر في جسم هذا الوطن، والذي كان يتهادى عليه من سماهم الناس (زعماء) - انتهينا من وباء (المفاوضة) ومن حصر المسألة المصرية السودانية في حيازة بريطانيا وشرف تاجها ووعودها المبذولة بألفاظ من سراب. وهذه النتيجة وحدها هي حسب مصر والسودان من جهادهما، فإنه لم يكن من المعقول أن يقف مغصوب ضعيف ليفاوض غاصبا قويا مفاوضة الند للند كما كان (الزعماء) يزعمون! ووالله ما ندري كيف كان يجوز ذلك في عقولهم (الزعيمة)؟ وكيف كانوا يخدعون الناس عن عقولهم (المزعومة)!! ولكنه كان، وعلم أسرار ذلك عند الله خالق الزعماء!

ثم خرجنا من بلاء المفاوضة إلى عرض قضيتنا - قضية مصر والسودان - على مجلس

<<  <  ج:
ص:  >  >>