للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[صلات علمية]

بين مصر والشام

في النصف الأول من القرن الثامن الهجري

للأستاذ محمد عبد الغني حسن

(تتمة ما نشر في العدد الماضي)

وما مناظرات ابن تيمية في مصر والشام إلا صورة مما كان يحدث في هذا العصر بين العلماء. وكانت الشغل الشاغل لهم، وكان أغلب القائمين بها من علماء السنة الذي وقفوا للمبتدعين بالمرصاد، كما كان بيت ابن تيمية هو البيت الديني الذي يحمل لواء أهل السنة ويتولى الرد على أهل البدعة. ويعاونه في ذلك أخواه شرف الدين وزين الدين. وقد كان لهما مناظرة في مجلس سلار نائب السلطان الناصر. فظهر شرف الدين بالحجة على مناظرهما ابن مخلوف المالكي. وكان الكلام هذه المرة في مسألة العرش وكلام الله وفي مسألة النزول.

ولقد حدثت بسبب هذه المناظرات فتن كثيرة في مصر والشام، واهتاجت لها الخواطر الساكنة. وانقسم الناس شيعاً كل واحدة تحارب غيرها، وسجن كثير من العلماء لمجرد التقول عليهم أو إطلاق الألسنة فيهم. وخاصة في دمشق التي وقع فيها خبط كثير وتشويش. فنادى نائب السلطنة المصرية في الشام ألا يتكلم أحد في العقائد. ومن عاد حل ماله ودمه وصودرت داره وحانوته؛ فهدأت الأحوال وسكنت الأمور

ولم يكن هذا الهدوء إلا لأجل قصير؛ فقد عادت خصومة العلماء في صورة اتهامات توجه إلى الأبرياء وغير الأبرياء. وهي اتهامات كان أقل ما عليها من المجازاة أن يعزر فيها المتهم تعزيراً عنيفاً، ويطاف به في البلدة على حال منكرة؛ كما حدث سنة ٧١٢ لابن زهرة المغربي الذي اتهمه بعض العلماء والصالحين باستهانته بالمصحف وخوضه في أهل العلم، فطيف به في دمشق وعذب وحبس

والحق أن (تنكز) نائب السلطنة المصرية في الشام كان دائم القلق مما يحدث بين العلماء وأهل المذاهب والعقائد، وكان لا ينظر بعين الرضى إلى أمثال هذه الحركات التي تجعل

<<  <  ج:
ص:  >  >>