للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[أوربا على المنحدر]

١ - من فرساي إلى لوكارنو

مسألة الرين وسلام أوربا

بقلم باحث دبلوماسي كبير

وقع في السابع من مارس الجاري حدث عظيم في السياسة الدولية لازالت أصداؤه تدوي في أرجاء أوربا، ولازالت آثاره ونتائجه موضع البحث الخطير في دوائر السياسة العليا. ذلك هو إقدام الحكومة الألمانية على إلغاء ميثاق لوكارنو الخاص بتأمين السلام على ضفاف الرين، وإقدامها في نفس الوقت على إلغاء آخر التعهدات والقيود العسكرية التي فرضتها عليها معاهدة الصلح، ووضع فرنسا وأوربا أمام الأمر الواقع باحتلال منطقة الرين الشرقية التي قضت معاهدة الصلح بتجريدها من السلاح ومن كل وسائل الدفاع العسكرية

ولم يكن عمل ألمانيا مفاجأة مطلقة، فقد كان معروفاً منذ أسابيع أنها تفكر في انتهاج مثل هذه الخطة، وأنها تترقب الفرصة لتنفيذها؛ ومنذ أسابيع تتحدث الصحافة الألمانية عن منطقة الرين ووجوب تسليحها استكمالاً لحقوق السيادة الألمانية وصوناً لشرف ألمانيا وكرامتها، ومنذ أسابيع تتحدث الصحافة الفرنسية عن نيات ألمانيا، وما يجب على فرنسا أن تتخذه إذا أقدمت ألمانيا على تنفيذها

وقد نفذت ألمانيا خطتها، واحتلت منطقة الرين الحرام فصائل من الريخسفر (الجيش الألماني) في نفس الوقت الذي ألقى فيه الهر هتلر من منبر الريخستاج الذي عقد خصيصاً لهذا الغرض خطابه القوي الجامع عن موقف ألمانيا تجاه السياسة الأوربية، وتجاه فرنسا، وأعلن فيه إنكار ألمانيا لنصوص ميثاق لوكارنو، وإعادة حقوق السيادة الألمانية كاملة على منطقة الرين

ويجب لكي نفهم حقيقة هذا الحدث السياسي والعسكري الخطير، وحقيقة البواعث التي حملت ألمانيا على انتهاجه، ومدى تأثيره في السياسة الأوربية، أن نستعرض أولا نصوص معاهدة الصلح (معاهدة فرساي) الخاصة بمنطقة الرين، ثم نصوص ميثاق لوكارنو الخاص بتأمين السلام على ضفاف الرين، وأن نتتبع تطورات السياسة الأوربية الأخيرة التي

<<  <  ج:
ص:  >  >>