يتَّجه الناقد الأدبي بنظره إلى مختلف النوازع الفكرية والمتَّجهات الأدبية في هذا البلد، فلا يلبث أن يرتدّ إليه الطرف حيران؛ فما نستطيع أن ندّعي عن يقين أن لهذا العصر اتجاهاً أدبياً يُنسب إليه ويعرف به ويتسم بطابعه. ولكنها تيارات مختلفة يتنازعها الضعف والوهن، وتتوزَّعها الأهواءُ والشِّيع؛ وبين دُعاة الجديد وأنصار القديم حرب مشبوبة ومعركة هدّامة، لا نراها سيُؤذن لها أن تهدأ فتستقر إلا أن نعرف مدى هذا الجديد، وماهية ذلك القديم
ولن يتأتى لنا أن نعرف ذلك أيضاً، مادامت مناهج الدراسة الأدبية في مصر لا تعرف لها مُتجهاً ومذهباً، وعندنا عديدٌ من معاهد الأدب، يذهب كل منها مذهباً في تخريج طُلابه، ويُمثل في منهاجه الدراسي صورة مصغرة للصراع الأدبي المختلف النزعة والاتجاه بين أدبائنا الكبار!
فعندنا الأزهر، قديمٌ موغلٌ في القدم، لا يرى العلم والأدب والثقافة إلا كما كان يراها القُدامى الأولون من علمائه؛ وهو مذهبٌ في الإعداد الأدبي له قيمته وأثره، ولكن له إلى جانب ذلك عيوبه وخطره - وما نعني الأزهر الجديد الذي يخطو اليوم إلى التجديد خُطاه الأولى، بحنكة شيوخه وهمة شبابه، فانه ما يزال على الطريق، ولا نعرف أين تستقر به الغاية من الهدف الذي يرمي إليه
ولو أنا تركنا الأزهر وولينا النظر شطر الجهة الأخرى، لرأينا منهجاً جديداً في كلية الآداب، بينه وبين منهج الأزهر ما بين طرفيْ خيطٍ طويل يصل أول التاريخ بما بعد التاريخ؛ فهناك القديم الغارق في القدم، كأنما يحاول أن يقف خطْو الزمان، وهنا الجديد الغالي في الجدَّة، كأنما يحاول أن ينسلخ من ماضي التاريخ. وهناك في الأزهر يُدرس القديم ويُعنى بالقديم، بعيداً من روح العصر وسنة التطور؛ وهنا في كلية الآداب يُحاول الجديد من غير أن يستند إلى أساس من العلم القديم، وهو بذلك كذلك، بعيدٌ من روح العصر وسنة التطور؛ ومن ثم ترى في أكثر ما ينتج أدباؤنا لهذا العهد نوعين من الأدب، لو وضعت أولهما في الذروة من بلاغة الوضع وحسن الأداء، لوضعت ثانيهما في المنحدر؛ على أنك لو نظرت إليهما من ناحية الموضوع والفكرة لجعلت أعلاهما أسفل وصعدت بالثاني. . . ولكنك لن تجد في واحد منهما - على الأكثر - ما يبعثك على