للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[شخصية]

للأستاذ حبيب الزحلاوي

يلتزم أكثر الناس، أثناء أحاديثهم، كلمة واحدة أو جملة تجري على ألسنتهم مجرى العادة فتسمى لازمة، وهذه اللازمة إما أن تكون خفيفة تنساب مع الحديث انسياب الكلمة الحشو في بيت من الشعر لا يلتفت إليها سوى الذواقة العارف بفنون القريض، أو تقع في غير موقعها فتصك السمع، وقل من الناس من سلم حديثة من لازمة واحدة أو أكثر

من هؤلاء (الالتزامين) صديق يختلف في لازمته عن جميع الناس لأنه شاعر، والمفروض في الشعراء أن تكون لازمتهم شعرية ذات معنى ورمز وجرس. لذلك نرى شاعرنا هذا يلتزم بيتاً واحداً من لامية أبن الوردي المشهورة يردده في كل مناسبة على خلاف الشعراء الذين يفترصون كل فرصة للاستشهاد ببيت لشاعر قديم أو مخضرم أو حديث يناسب الموضوع يدللون به على قوة حافظتهم، ومضاء ذاكرتهم، وسعة اطلاعهم، أما التزام هذا الشاعر بيتاً واحداً لا يتبدل، فله دلالة نفسية سينقشع عنها اللثام خلال الحديث.

ومن الظريف في شاعرنا أنه يبدأ في إنشاد الصدر من البيت: (لا تقل أصلي وفصلي أبداً) ويسكت هنيهة كأنه يحرض ذهن السامع على إتمامه، ولويل لمن يتلكأ في رد الصدر على العجز فيقول: (إنما أصل الفتى ما قد حصل) لأنه سيكون حتماً من البلداء

طاب لأحد الظرفاء من أصحاب الشاعر، وكنا نسميه (شاعر العرب والإسلام) أو (حصان الثورة) أن يكنيه كنية تطابق لازمته الوردية فكناه (حصل أفندي). ومن عجب أن فاض أسم الشاعر بنعوته واندثر، وانتشرت الكنية المستحدثة وذاع اللقب الجديد بين جميع المشتغلين بالقضية العربية من ساسة وثوار

شخصية (حصل أفندي) كما أراها اليوم، فريدة في بابها بل هو قريع دهره وواحد هذا العصر، يجمع بين جميع الصفات والمزايا، والغرائز والملكات وأضدادها كلها ولكن كفته إلى اليسار هي الراجحة دائماَ!

ترى البشاشة في محياة يعلوها إلا كفهرار والتجهم، إن هش ورحب بدأ نابه وظفره، وإن نظر وحدق اختلطت عليك معاني تلك النظرات ووجب عليك الاستعاذة بمن لا يستعاذ بسواه على أصحاب النظرة المختلطة. يصاحب كل الناس وفي صدره جمرة من كل

<<  <  ج:
ص:  >  >>