[ذكرى الهجرة]
بقلم عبد الحكيم عابدين
على هامة الدنيا وقد فُوقِتها قدرا ... وفي ذمة التاريخ، أيتها الذكرى
أطلّي على رأس الليالي منارةً ... وفي غسَق الأجداث شعّي لنا فجرا
وقومي على الإسلام تاجاً يزينه ... وسيفاً يردّى من يُريد به الضرا
وأحيي عزاء القلب عما أصابه ... لما دَهَم الإسلام من محن كبرى
أعيدي، ولو طيفاً، من الغابر الذي ... تموت عليه النفس والهةً حسرى
وقصّي على سمعي ولو في رَؤى الدجى ... أحاديثَ يُعيي الدهر ترديدُها بهرا
يُجشِّم داءً أخديعه مُعادُها ... كأَن بأذنيه إذا تُليت وقرا
أحاديث عن طه وحسبيَ ذكره ... بلا لقب إذ ضقت عن قدره ذكرا
وصحبٍ أباةٍ ما رأى المجد مثلهم ... ولم يرضَ إلا بين أنفسهم وكرا
غطارفَ بُلج لا يجوز عديدُهم ... لدي أرهبو الدنيا، أصابعك اليسرى
ومن قُلِّد الإيمان درعاً ومغفرا ... فلا غرو أن أعْيا - وحيداً - به الدهرا
رُويدك يا ذكرى. لكم تُضرمين بي ... مشاعرَ كاد الدهر يُغرى بها القهرا
وآمالَ نفس أوشكت حادثاته ... إلى اليأس أن تُدْنِي نواهضها قسرا
طلعتِ على الدنيا فأذكرت آلها ... مواقف للإِسلام ما برحت غُرّا
وما الهجرة البلجاء إلا صحيفةٌ ... تُتّوج من دين الهدى ذلك السِّفرا
سُرًى في سبيل الله والخطب كالح ... وللبيض لَمْعٌ في حواشي الدجى افترّا
بأيدٍ تلظّى للدماء تعطشا ... وترقب أن تُسقى دم المصطفى هدرا
فما هاله أن الأسنة شُرّعٌ ... تباري لكي يرجعن من دمه حُمْرا
سَرى بين صحب تسقط الشّيم سجّدا ... لإيمانهم. لو أن منه لنا نزرا!
عقائدُ تدعوا المستحيل توهماً ... ولا ترتضي إلا لخالقها أمرا
جوارف للأطواد إن رُمْن صدها ... قوانع بالأشواك أن تكسوَ السيرا
تساوِمُ بالأرواح كل مهند ... على عزَّة الإسلام تعلو بها الشعرى
ليثرب شدو الرحلَ يسعى يقينهم ... سناً بين أيديهم إذا افتقدوا البدرا